ودل قوله تبارك وتعالى:((مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ)) على أنه لا خلف في إيعاد الله تعالى، كما لا إخلاف في ميعاد الله.
وهذا رد على المرجئة حيث قالوا: ما ورد في القرآن من الوعيد فهو تخويف، ولا يحقق الله شيئاً منه، وقالوا: الكريم إذا وعد أنجز ووفى، وإذا أوعد أخلف وعفا.
وهذا الكلام ليس على إطلاقه، فلا خلف في إيعاد الله تعالى، أي: أن الوعيد لا يخلفه الله سبحانه وتعالى في حق الكفار، فإذا توعد الكافر أنه سيدخله جهنم فحتماً سوف يدخل جهنم، ولا يجوز أن يتخلف هذا الوعيد؛ بدليل قول الله تبارك وتعالى:{كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ}[ق:١٤] وقد قلنا: إن هذه فاء السببية، أي: أن التكذيب هو علة حصول الوعيد، فكل من كذب الرسل فلابد أن يدخل النار.
وقال تبارك وتعالى:{إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ}[ص:١٤]، وقال تبارك وتعالى هنا:((مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ)) وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِه ِ) [النساء:٤٨].
فالوعيد الذي لا يمتنع إخلافه هو في حق عصاة المسلمين الذين يموتون على كبائر الذنوب ولم يتوبوا منها، لكن وعيد الكفار لا يمكن أن يتخلف، بل كل من مات على الكفر لا بد أن يتحقق فيه الوعيد ولا يخلف.
فلو صح ما ذكرته المرجئة من جواز إخلاف الوعيد في حق الكفار للزم تبديل قوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} والله مقدس عن ذلك ومنزه سبحانه وتعالى.
وكلام المرجئة كلام باطل، وهو يفتح باب المعاصي للناس على مصراعيه، تعلقاً بنصوص الرجاء، وزعماً أن نصوص الوعيد في حق المسلمين العصاة إنما هي مجرد تخويف ومجرد ترهيب فقط، ولكنهم في الحقيقة لن يعذبوا، هذا مخالف قطعاً للأدلة من القرآن ومن السنة، فنحن نقول: إنه تحت المشيئة، إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له، وهذه من كمال عدل الله سبحانه وتعالى، إلا أن الموحد ينجو من الخلود في جهنم؛ لكنه لا ينجو من دخولها.