فبعدما نهى عن الغيبة والسخرية، والتنابز بالألقاب واللمز، واحتقار الناس لبعضهم البعض، نبه إلى أنهم متساوين في البشرية لا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى، كما قال ابن كثير رحمه الله تعالى.
وما أفظع ما نسمع من بعض الخطباء خاصة في مجالات السياسة ونحوها، حيث يتكلم يقول:((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ))، يعني: المواطن الصالح أو نحو ذلك من التعبيرات، يعني: فلا فضل لأحد على أحد إلا بالوطنية! فيجاهرون بمصادمة كلام الله سبحانه وتعالى، ولا ندري كيف يجترئ خطيب على أن يقول: لا فضل لأحد على أحد إلا بالعمل للوطن، أو بالإخلاص للوطنية والقومية! فالمصادمة صريحة لآية من كتاب الله عز وجل، ويستمرون في قول هذه الأشياء، وقد نسمع من يتكلم على نشرات الأخبار، وكأنه ما سمع عن الله ولا عن رسول الله ولا عن الإسلام ولا عن القرآن، بل كأنه جاء من أدغال أفريقيا، وقد تجد من يقول لك: سمعت شخصاً اليوم يقول: يوم السبت ستنزل أمطار، ولا يريد أن يقول: إن شاء الله! تكبر على ذكر الله وتكبر على اسم الله، فكأن هذا الإنسان سوف يخرف لو ذكر اسم الله وقال: إن شاء الله.
ولعل الله سبحانه وتعالى يخزيه، ولا تكون هناك أمطار، فيتكلم على درجات الحرارة وعلى الأمطار وكأنه يعلم الغيب، وكأنه ما سمع عن قرآن ولا عن سنة ولا عن الإسلام، فالمسلم لا يذكر شيئاً إلا استثنى فقال: إن شاء الله.
فنحن نعجب حقيقة من هؤلاء الذين يجترئون هذه الجرأة، نحن نريد أن يكونوا حتى كالمنافقين؛ لأنهم ما كانوا يجهرون بهذه الأشياء في المجتمع الإسلامي، أما هذا فيصادم عقيدة الناس وعقيدة المسلمين ويقطع أنه ستنزل أمطار يوم السبت وأمطار غداً على الساحل الشمالي.
فمن أين لك هذا؟ أما تعرف قدرك؟ ونقول له: اخسأ فلن تعدو قدرك! فهذه الأشياء ليست في أيديهم، هذه بيد الله سبحانه وتعالى، وتصرفها الملائكة بأمر الله عز وجل، ولا يعلم أحد ما يكون غداً، ولعل غداً يأتي ولا يكون هذا الإنسان من الأحياء.
فهذه إشارة عابرة في نهاية مجلسنا هذا؛ فبعدما نبه الله سبحانه وتعالى على تحريم الغيبة واحتقار الناس وازدرائهم والتنابز بالألقاب، وأن يلمز بعضهم بعضاً، أشار إلى أن علة ذلك أنهم متساوون في البشرية، فالإسلام دين المساواة، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأبيض على أسود؛ إلا بالتقوى:((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ))، هذا هو ميزان الله سبحانه وتعالى.