للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا)]

قال تعالى: {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الممتحنة:٥].

قال مجاهد: قوله تعالى: ((رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا)) أي: لا تعذبنا بأيديهم؛ لأن الفتنة تطلق على العذاب كقوله تعالى: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} [الذاريات:١٤] يعني: عذابكم، فالمعنى: لا تعذبنا على أيدي الكفار، ولا بعذاب من عندك فيفتن الكفار ويقولون: لو كانوا على حق لما أنزل الله بهم العذاب، وكذا قال قتادة: لا تظهرهم علينا فيفتتنوا بذلك، ويرون أنهم إنما ظهروا علينا لحق هم عليه.

ومآل هذا الدعاء هو التعوذ من مثل صنع حاطب مما يورث افتتان المشركين بالدين؛ إذ يكون ذلك مدعاة لقولهم: لو كان هؤلاء على حق، وما يزعمون به من الظفر بالحق، لما صانعنا مؤمنهم.

إذاً: ما هم عليه أماني، فانتبهوا لهذا الفرق بين هذه الدعوة وبين غيرها من الدعوات، فهذا الدعاء حينما نفهمه ونفقهه يئول إلى التعوذ من مثل فعل حاطب؛ لأن الذي فعله حاطب قد يكون من عواقبه وآثاره أن يصير سبباً لفتنة الذين كفروا فيقولون: لو كان الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه على حق، ولو كان الوعد الذي وعدوه من الغلبة والظفر حقاً؛ لما صانعنا هذا المؤمن ولما داهننا، ولما جاملنا، فيتمسكون بما هم عليه.

ففي الآية معنى كبير، وتأديب عظيم، أي: ربنا لا تجعلنا نهمل من ديننا ما أمرنا به، أو نتساهل فيما عزم علينا منه، حتى لا تنحل بذلك قوتنا، ويتزلزل عمادنا، ويُفتح لعدو الدين الافتتان به؛ لأن المؤمنين إذا ما زالوا متمسكين بآداب الدين، ومحافظين عليها، وقائمين بها حق القيام، فإن النصر قائدهم، والظفر رائدهم، ولذلك أصبح المسلمون في القرون الأخيرة بحالهم السيئ حجة على دينهم أمام عدوهم، ولا مسترد لقوتهم، ولا مستعاد لمجدهم إلا بالرجوع إلى كتابهم، والعمل بآدابه، والمحافظة على أحكامه، ونبذ ما ألصق به مما يحرف كلمه، ويجافي حقيقته.