[بعض الأدلة على البعث والنشور]
الأدلة على البعث والنشور كثيرة جداً في القرآن الكريم، والواجب على كل مسلم أن يعرفها حتى ولو لم يدرس في كتاب؛ لأن هذه عقيدة من العقائد الأساسية، فإذا سئلت: كيف تدلل على البعث والنشور فلابد من أن تكون عندك الإجابة، وإذا سئلت: ما هي أدلة صحة نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وإذا سئلت عن إعجاز القرآن فلابد من أن تكون عندك الإجابة؛ لأن هذه الأشياء هو أصول الدين، فلابد من أن يتقنها الإنسان بالأدلة، ولابد من أن تكون حاضرة تماماً في ذهنه.
فأول الأدلة من أدلة البعث والنشور الاستدلال بأن الذي بدأ الخلق قادر على أن يعيده، وهو أهون عليه.
الدليل الثاني: الاستدلال بخلق السماوات والأرض، وخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، فإذا كان الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض فهو أقدر على إعادتهم ونشورهم.
الدليل الثالث: الاستدلال بإحياء الله سبحانه وتعالى الأرض بعد موتها، وهذا مذكور كثيراً في القرآن، فالآيات كثيراً ما تشير بعد ذكر إحياء الأرض بعد موتها بالمطر إلى البعث والنشور، كما في أوائل سورة البقرة، وفي سورة الحج وغيرهما من السور.
ومن الأدلة -أيضاً- وقوع بعض الحوادث التي حكاها القرآن الكريم وفيها إحياء الموتى بالفعل، كقوله تعالى في سورة البقرة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمْ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} [البقرة:٢٤٣].
وكذلك أحيا الله بني إسرائيل لما رفع فوقهم الطور، كما في قوله تعالى: {ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} [البقرة:٩٢] إلى آخر الآيات المعروفة في أوائل سورة البقرة.
وهكذا قصة أصحاب الكهف دليل من هذه الأدلة.
وهكذا قصة الرجل الذي مر على قرية، كما قال عز وجل: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة:٢٥٩].
وعلى أي حال فالأدلة في هذا كثيرة، ومع ذلك بعدما ذكر الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض خص هنا ذكر خلق الإنسان من طين، كما ورد في قوله تبارك وتعالى: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [يس:٨١] أي: دلالة بدء خلقهم على بعثهم أظهر، وهم بشئون أنفسهم أعرف، والتعامي عن الحجة النيرة أقبح.
والسياق فيه التفات؛ لأن أول الآية في سياق الغيبة، أما هنا فالتفت، قال عز وجل في أول الآية: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:١] ثم التفت فقال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} [الأنعام:٢] فالالتفات هنا هو لمزيد التشنيع والتوبيخ.
أي: ابتدأ خلقكم من الطين؛ فإنه المادة الأولى للكل؛ لأنه منشأ آدم الذي هو أبو البشر، ولكن نسب هذا الخلق إلى المخاطبين لا إلى آدم عليه السلام، مع أن آدم هو المخلوق منه حقيقة، ولم يقل: هو الذي خلق أباكم، مع كفاية علمهم بخلقه عليه السلام منه في إيجاب البعث وبطلان الامتراء بتوضيح منهاج القياس، وللمبالغة في إزاحة الاشتباه والالتباس.
ولاشك في أن كل فرد من أفراد البشر له حظ من أبيه آدم عليه السلام؛ لأن آدم كان منطوياً انطواءً إجمالياً على ذريته، أي: أن ذريته كانت في صلبه، فصح أن نوصف نحن بأننا خلقنا من طين باعتبار أن أبانا خلق من هذا الطين، فكان خلقه عليه السلام من الطين خلقاً لكل أحد من فروعه منه.
ولذلك قال تعالى في سورة الأعراف: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} [الأعراف:١١].
وقوله: (ثم قضى أجلاً) أي: كتب لموت كل واحد منكم أجلاً خاصاً به.
يعني: حداً معيناً من الزمان يفنى عند حلوله.
وقوله: (وأجل مسمى عنده) أي: وجعل حداً معيناً لبعثكم جميعاً، فالأجل الأول هو خاص بكل إنسان، أما هذا فهو الأجل الذي هو حد معين لبعث الخلق أجمعين، وهو مثبت ومعين في علمه لا يقبل التغيير ولا يقف على وقت حلوله أحد، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} [الأعراف:١٨٧].
فمعنى قوله: (وأجل مسمى عنده) يعني أنه مستقل بعلمه.
وقوله: (ثم أنتم تمترون) هذا استبعاد واستنكار لامترائهم في البعث بعد معاينتهم لما ذكر من الحجج الباهرة الدالة عليه، أي أنكم تمترون في وقوعه وتحققه في نفسه مع أنكم تشاهدون في أنفسكم ما يقطع مادة الإمتراء، فإن من قدر على خلق المواد وجمعها وإيداع الحياة فيها وإبقائها على ما يشاء أقدر على جمع تلك المواد وإحيائها مرة ثانية.