[تفسير قوله تعالى: (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها)]
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأنعام:٩٧].
ثم بين تعالى نعمته في الكواكب إثر بيان نعمته في النيرين -أي: في الشمس والقمر- إعلاماً بكمال قدرته وحكمته ورحمته، فقال عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأنعام:٩٧].
قوله: (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) يعني: في ظلمات الليل أثناء سيركم في طرق البر أو البحر.
وقوله: (قد فصلنا الآيات) يعني: بينا الآيات على قدرته تعالى وحكمته واليوم الآخر (لقوم يعلمون) يعني: يعلمون وجه الاستدلال بها، فإنما خلقت للاستدلال المتأكد بالعمل بموجبها، أي: الاستدلال بها على معرفة الصانع الحكيم وكمال قدرته وعلمه، واستحقاقه العبادة وحده تبارك وتعالى.
وإذا تأملنا قوله تعالى هنا: (قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون)، وتأملنا آيات الله سبحانه وتعالى في مثل هذه المواضع (قوم يتفكرون)، (قوم يعقلون)، (آيات للمتوسمين)، (أفلا تتفكرون)، (أفلا تعلقون) ندرك مدى تعظيم الإسلام للعلم والعقل وللتدبر والتفكر، وعدم التقليد والانقياد، فالإسلام هو دين العلم، لكن العلم الصحيح بمعناه الحقيقي الذي يقود إلى توحيد الله عز وجل.
العالمانيون لأن العلمانيين أعداء الله وأعداء رسول الله عليه الصلاة والسلام يخدعون السذج من الناس، وذلك أنهم يستغلون التشابه اللفظي في الحروف بين كلمة العلمانية وكلمة العلم، وفي الحقيقة لا توجد علاقة على الإطلاق بين العلمانية وبين العلم أبداً؛ لأن أصل كلمة (العلمانية) هذه الذي ينطقونها كلمة أجنبية، وكلمة حديثة، فلذلك احتاروا في ترجمتها، وأصلها كلمة (سيكيولارزم) أي: الحاجة اللادينية المتعلقة بهذا العالم، بغض النظر أو مع إهمال أي عالم آخر، كعالم الآخرة أو العالم الغيبي، فهي تعني العالم الدنيوي الذي لا علاقة له بأي غيبيات أو آخره أو دين أو غير ذلك.
فلذلك اختلفوا في ترجمتها، ونحن نعلم أن القواميس الأولى التي وضعت إنما وضعها النصارى، وبعض القواميس تقول في ترجمة هذه الكلمة: اللادينية.
وهذا أدق التعابير عن معنى العلمانية، ومعنى اللادينية: رفض الدين.
ثم إن نسبة (العلمانية) نسبة غير قياسية، فكلمة (العلمانية) ليست مأخوذة من العلم، وإنما هي مأخوذة من العالم.
فينبغي أن نفوت عليهم الفرصة، فبدلاً من أن نستعملها بكسر العين الذي يخدعون الناس به، ويزعمون أن (العلمانية) مأخوذة من العلم نبين لهم أنها مأخوذة من كلمة العالم، بمعنى هذه الحياة الدنيوية.
فمعناها: الدنيوية أو اللادينية أو العالمانية، وهذا المصطلح هو أدق.
وبعضهم يقول: علينا أن نهجر استعمالها بلفظ (العلمانية) حتى لا نخدم أهداف أعداء الدين في نسبتها إلى العلم، وهي لا علاقة لها بالعلم على الإطلاق، بل هي في الحقيقة جهل؛ لأن الذي يجهل آيات الله سبحانه وتعالى سواء التكوينية أو التنزيلية ويعرض عن هداها ويدرس كل العلوم بغض النظر عن صانعها، وعن خالقها سبحانه وتعالى جاهل أشد الجهل بلا شك، وعلى هذا فهذه جهلانية وليست علمانية.
فمن أجل ذلك علينا أن نتحرى دائماً أن ننطقها (العالمانية) حتى تأخذ معناها الصحيح، وهو نسبتها إلى هذا العالم الدنيوي الذي يغفل ويهمل ويتجاهل العالم الأخروي أو العقيدة الدينية.
وبعض الشيوخ المشهورين تكلم في هذا الأمر، فسئل فأجاب وقال: إن الإسلام لا يتعارض مع العلمانية.
لأنه يحسب أن العلمانية بمعنى العلم، و (العالمانية) أو (العلمانية) إنما هي بمعنى العالم، أي: الاقتصار فقط على الدنيا وعلى المادة، وإهمال جانب الغيبيات وجانب الآخرة وجوانب الدين كلها.
فانظر إلى قوله تعالى هنا: ((قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)) فهذا هو العلم الحقيقي الذي ينسب الفضل إلى صاحبه، وينسب الخلق إلى خالقه عز وجل.