للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النفخة الملكية والنفخة النبوية لحياة الإنسان]

يقول ابن القيم: كما أن الإنسان لا حياة له حتى ينفخ فيه الملك الذي هو رسول الله من روحه، فيصير حياً بذلك النفخ، وكان قبل ذلك من جملة الأموات، فكذلك لا حياة لروحه وقلبه حتى ينفخ فيه الرسول صلى الله عليه وسلم من الروح الذي ألقى الله تعالى إليه.

أي: القرآن الكريم، فإذا انتفعت بالقرآن الكريم وارتبطت بالقرآن الكريم فهذه هي النفخة التي تعطيك حياة القلب، وكلما ضعف ارتباطك بالقرآن الكريم ضعف هذا الإيمان في قلبك.

يقول: فكذلك لا حياة لروحه وقلبه حتى ينفخ فيه الرسول صلى الله عليه وسلم من الروح الذي ألقى الله إليه، قال تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [النحل:٢]، ويقول تعالى: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [غافر:١٥]، وقال: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} [الشورى:٥٢ - ٥٣].

فأخبر أن وحيه روح ونور، فالحياة والاستنارة موقوفة على نفخ الرسول الملكي، فمن أصابه نفخ الرسول الملكي ونفخ الرسول البشري حصلت له الحياتان، ومن حصل له نفخ الملك دون نفخ الرسول حصلت له إحدى الحياتين وفاتته الأخرى، فالكافر حصل نفخة الملك لأن فيه روحاً؛ لكن فاتته نفخة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يؤمن به، وبالتالي لن ينتفع بهدي القرآن الكريم، وقال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام:١٢٢] بالإسلام، {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:١٢٢]، فجمع للمؤمن بين النور والحياة، كما جمع لمن أعرض عن كتابه بين الموت والظلمة.

وقال ابن عباس وجميع المفسرين: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام:١٢٢] يعني: كان كافراً ضالاً فهديناه.

وقوله: {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام:١٢٢] هذا يتضمن أموراً: أحدها: أنه يمشي وسط الناس هم في ظلمة وهو في نور، فمثله ومثلهم كمثل قوم أظلم عليهم الليل، فضلوا ولم يهتدوا للطريق، وآخر معه نور يمشي به في الطريق ويراها ويرى ما يحذره فيها.

وثانيها: أنه يمشي فيهم بنوره، فهم يقتبسون منه لحاجتهم إلى النور، هذا حال المؤمن المستقيم الداعية في وسط الذين يمشون في الظلام، ويتيهون ويعمهون ويترددون ويتحيرون، فهم محتاجون إلى هذا النور الذي معه؛ كي ينجوا في هذه الطريق.

وثالثها: أنه يمشي بنوره يوم القيامة على الصراط إذا بقي أهل الشرك والنفاق في ظلمات حقدهم ونفاقهم.