[تفسير قوله تعالى: (فمال الذين كفروا قبلك مهطعين الذي كانوا يوعدون)]
قال تعالى: {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ * عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ عِزِينَ * أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ * فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ * يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنْ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:٣٦ - ٤٤].
{فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ} أي: مسرعين للحضور إذا ما أخبروا بما يتخذونه هزءاً، فكانوا يحضرون سراعاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام ليروا أي شيء يهزؤون به من الوحي أو من أمر الدين.
وعن ابن زيد قال: المهطع الذي لا يصرف عينه.
(عن اليمين وعن الشمال عزين) أي: متفرقين حلقاً ومجالس جماعة جماعة، معرضين عنك وعن كتاب الله.
(أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم) يعني: وإن لم يتصف بصفات أهلها المنوه بها قبل؟ فهل المسألة بالأماني، وأن الله كما آتاهم النعيم في الدنيا فسوف يؤتيهم ذلك في الآخرة، (كلا) أي: لا يكون ذلك؛ لأنه طمع في غير موطنه، بل هؤلاء حقيقون بأن ييأسوا من رحمة الله في الآخرة.
{كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ} يعني: من النطف؛ فمن قدر على خلق هذا الإنسان من نطفة من ماء مهين لا يعجزه إهلاكهم، فليحذروا عاقبة البغي والفساد، ولذلك قال تبارك وتعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ}.
وسبق أن تكلمنا من قبل في معنى (لا أقسم)، وأن تفسيرها (أقسم).
وقوله: ((الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ)) يعني مشرق كل يوم من السنة ومغربه، أو مشرق كل كوكب ومغربه، أو الأقطار التي تشرق فيها الشمس وتغرب.
((إِنَّا لَقَادِرُونَ)) التوكيد بالقسم و (بإن) وباللام.
((عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ)) أي: بمغلوبين إن أردنا ذلك، فالله سبحانه وتعالى قادر على أن يفني الخلق أجمعين ويبدلهم بخير منهم.
(فذرهم) اتركهم (يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون) أي: يوعدون أخذهم فيه وهلاكهم.
{يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} الأجداث: جمع جدث، وهو القبر.
يعني: القبور، (سراعاً)، يعني: يسرعون سراعاً (كأنهم إلى نصب يوفضون) يعني: يسرعون.
والنُّصب: الصنم المنصوب للعبادة.
أو العلم المنصوب على الطريق ليهتدي به السائر.
أو أن النصب ما ينصب علامة لنزول اَلملِكِ وسيره، فهم يسرعون إلى عبادة الأصنام إسراع من ضل عن الطريق إلى أعلامها، أو إسراع الجند إلى راية الأمير.
{خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} من الخزي والهوان، {تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} أي: تغشاهم ذلة من هول ما حاق بهم.
{ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} يعني: بأنهم ملاقوه.
والله أعلم.