[التحذير من الغلو في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم]
لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو فيه تحذيراً شديداً، وكثير من الناس الذين يسلمون برسالته مع بشريته، تبقى عندهم نقطة ضعف يريدون دائماً أن يرفعوا صفة البشرية عنه، فيقولون: هو خلق من نور، إلى آخره.
ويقولون: أنتم تقولون: حدثنا فلان عن فلان عن فلان.
فأين فلان؟ قلتم: مات، فكلامكم كله ميت عن ميت، أما كلامنا نحن فنأخذه مباشرة عن الحي الذي لا يموت! فعندهم الكثير من الضلالات والانحرافات لأنهم يزدرون العلماء.
الله سبحانه وتعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحجر:٩٩] يعني: الموت، فلم يجعل الله لعمل المؤمن أجلاً دون الموت، أما هم فقد خالفوا الآية وجعلوا لها أجلاً وهو الوصول إلى بعض هذه المقامات! وهم يزعمون أنهم بغلوهم في الرسول صلى الله عليه وسلم وبمدحه أنه أول خلق الله، وأنه نور عرش الله! وأنه كذا وكذا من هذه الفضائل المزعومة التي يخترعونها؛ أنهم بذلك يرفعون قدر النبي صلى الله عليه وسلم! من أراد أن يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم فليمدحه بما مدحه به ربه، فالرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي علمنا بقوله:(من تواضع لله رفعه الله) فإذا أردت أن تمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم فامدحه في دعوته واجتهاده إلى أقصى مدى في العبودية لله سبحانه وتعالى، التي معناها: غاية الحب مع غاية الذل والانقياد والقبول، فيمدح الرسول عليه السلام بالعبودية لله عز وجل، ولا يصح أن ننفي عنه صفة العبودية، ونرفعه إلى رتبة الألوهية كي نمدحه أو نشرفه، فالذي يشرفه هو أن تمدحه بالعبودية، ولأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول:(من تواضع لله رفعه الله) هذا منطوق الحديث، ومفهوم الحديث دلت عليه آية في سورة الأعراف:{قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا}[الأعراف:١٣] اهبط لأنك تكبرت، فالذي يتكبر يضعه ويذله الله، ويهينه الله، أما الذي يتواضع فإن الله يرفعه، فإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام قد رفع على جميع العالمين فما رفع إلا لأنه بلغ أعلى مقامات الذل والحب لله سبحانه وتعالى، ولذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى يمدحه بالعبودية في أشرف المقامات: ففي مقام الدعوة يقول: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا}[الجن:١٩]، وفي مقام الإسراء يقول سبحانه:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[الإسراء:١] إلى آخره، وفي مقام التحدي يقول تعالى:{وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}[البقرة:٢٣].
إذاً: عبودية الرسول عليه الصلاة والسلام شرف ورفعة له، فسبب هذا المقام العظيم الذي تبوءه عند الله أنه وصل إلى مقام لا يبلغه غيره في الخضوع والتذلل والانقياد لشرع الله سبحانه وتعالى.
وما هذا الذي يمارسه الصوفية وأشياعهم من الغلو في شخص رسول الله عليه السلام والمبالغة في تصور محاسنه: يا أحمر الخدين! يا أكحل العينين! إلا حيدة ومحاولة للتعويض عن التقصير في الانقياد والاتباع، والحب الحقيقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله سبحانه وتعالى لما رأى الناس كلهم يدعون محبة رسوله صلى الله عليه وسلم امتحنهم امتحاناً فقال:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[آل عمران:٣١]؛ لأنه ليس الشأن في أن تحب أنت الله سبحانه وتعالى؛ لأنه شيء لازم أن تحب الله لاتصافه بصفات الكمال والجمال والجلال، ولما أسدى إليك من النعم، فبالضرورة أنك تحبه، لكن الشأن في أن يحبك الله ويكافئك على اتباع رسوله، فهذا هو الشأن، وهذا هو الشيء العظيم أن يحبك الله، لكن هناك علامة على هذه المحبة قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} فالاتباع هو علامة المحبة الحقيقية، وليس بالتغزل في صورة النبي عليه السلام كما يفعل هؤلاء الناس، ليس الموضوع مجرد عاطفة غير رشيدة، وإنما بالاتزان والوسطية والاعتدال، لذلك قال صلى الله عليه وسلم:(لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله) فحينما تصف الرسول صلى الله عليه وسلم بالعبودية ليس هذا انتقاصاً لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما أشرف ما يمدح به رسول الله عليه الصلاة والسلام أن تصفه بالعبودية لله، لا تشرك به مع الله، وكما نجد للأسف اليمين المصرية الشائعة في كل البلاد المصرية (والنبي)! فكلمة (والنبي) هذه قد نهانا عنها النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (من حلف بغير الله فقد أشرك)، وقال:(من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)، أما أنك تحلف بالنبي، وبعض الناس يبلغ في الغلو أنه إذا أراد أن يقوم يقول: يا رسول الله! يطلب المدد من الرسول عليه السلام! هل يفرح بك رسول الله إذا علم أنك تستغيث به من دون الله، وتطلب منه المدد دون الله سبحانه وتعالى؟! فبعضهم يقوم وجسمه ضعيف مثلاً أو ثقيل فيقول: يا رسول الله! ويظن أنه هكذا يعظم الرسول عليه الصلاة والسلام! الرسول صلى الله عليه وسلم يبرأ من هذا الفعل؛ لأن هذا شرك، فلا يطلب الإنسان المدد من غير الله سبحانه وتعالى، كذلك الحلف شرك كأن يقول: ورسول الله كذا وكذا ويظن أنه معظم لرسول الله، كل هذه السلوكيات انحراف عن هدي الرسول عليه الصلاة والسلام، فرسول الله عليه الصلاة والسلام لما قال له الرجل: ما شاء الله وشئت.
غضب، هذا ليس احتراماً للرسول، بل هذا خدش للرسالة التي جاء بها في التوحيد، لما قال رجل: ما شاء الله وشئت، قال:(أجعلتني لله نداً؟! بل ما شاء الله وحده)، والأحاديث في ذلك كثيرة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان دائماً يرد الناس إلى الصواب، فيجب مدحه بالعبودية لله، ومن أراد أن يعبر عن حب النبي عليه السلام فليتبعه في قوله عليه الصلاة والسلام:(لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله).
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو في الدين أن يختار الحاج إذا أراد رمي الجمرات الحصيات الكبيرة، وأمر أن تكون الحصى مثل حصى الخذف يعني: ما بين حبة الحمص وحبة الفول، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:(قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة: هات! القط لي -يعني الجمرات- قال: فلقطت له نحو حصى الخذف، فلما وضعتهن في يده قال: مثل هؤلاء! (ثلاث مرات) وإياكم والغلو في الدين! فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين) وهذا الذي حذرنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم نحن نشاهده الآن في منى، فبعض الناس يأتي بالأحذية ويضرب بها الشيطان! ونرى الحجارة الكبيرة وغيرها من الأشياء ملقاة في الجمرات، وتسمع الشتائم التي تلقى، فتأتي المرأة وتشتم الشيطان وتقول له: أنت الذي تحرض علي زوجي، وأنت الذي تفعل كذا وكأنها ترى الشيطان، ونفس هؤلاء الناس هم الذين يرجعون إلى التلفاز والفيديو، وقد تعود النساء متبرجات كما كن في سيرتهن الأولى ولم يغير الحج من أخلاقهن شيئاً! والرسول عليه الصلاة والسلام جعل رمي الجمار مسألة رمزية، الغرض منها نبذ الشيطان ومحاربته، وليست حقيقة يراد بها قتله وإماتته، فعلى المسلم تحقيق الأمر، ومنابذة الشيطان عدو الإنسان اللدود بالعداء ليس غير.