للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً)

يقول الله تبارك وتعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن:١٨].

((وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ)) أي أن المساجد التي هي أشرف بقاع الأرض مختصة بالله عز وجل، ومقامة لأجل عبادة الله وحده لا شريك له.

(فلا تدعوا) أي: لا تعبدوا، والدليل قوله تعالى في سورة غافر: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:٦٠] فكثيراً ما تأتي تتناوب هاتان العبارتان فأحياناً يعبر عن الدعاء بالعبادة، وأحياناً يعبر عن العبادة بالدعاء.

والمعنى: لا تعبدوا مع الله سبحانه وتعالى أحداً في المساجد، وهذا فيه تعريض لما كان عليه المشركون من عبادتهم غيره تعالى في المسجد الحرام، ونصبهم فيه التماثيل والأنصاب، وبما عليه أهل الكتاب، فإن المساجد لم تشد ولم تبن إلا ليذكر فيها اسمه تعالى وحده، ومن هنا ذهبت الحنابلة إلى أنه لا يجتمع في دين الله مسجد وقبر، وأن أيهما طرأ على الآخر وجب هدمه.

والغريب أن القاسمي ينسب هذا إلى الحنابلة فقط، لأن العبارة من عبارات ابن القيم في زاد المعاد، لكن الحقيقة أن هذا كلام أئمة المذاهب الأربعة، وعلمائها.

نحن في مصر متخصصون في وضع المساجد على القبور، وأوسع كتاب اشتهر بجمع أقوال المذاهب الأربعة التي تثبت أن جميع المذاهب المتبوعة تنهى عن بناء المساجد على القبور هو كتاب (تحذير الساجد من اتخاذ القبور على المساجد) وهو للعلامة الألباني رحمه الله تعالى، وهذا من أوائل الكتب التي ألفها الشيخ الألباني، ألفه وهو شاب صغير، رحمه الله تعالى.

فإذا كنا نهمل القضايا التي تمس صلب عقيدة التوحيد، والأمور التي تمس واقعنا، فكيف بما هو أقل منها.

فإذاً: ابن القيم ذكر في زاد المعاد أنه لا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر، والحكم يكون للأصل، والطارئ هو الذي يزال، يعني: إن كان هناك قبر ثم بني عليه المسجد فالمسجد يهدم ويزال، أما إذا كان هناك مسجد ثم طرأ عليه قبر، فالقبر هو الذي يزال، أما مسجد وقبر فلا يجتمعان في دين الإسلام أبداً، والأدلة على ذلك واضحة وضوح الشمس.

وأنا كلما تلوت قوله عز وجل: ((وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)) تذكرت حادثة هدم المسجد البابري في الهند، والذي قاد الحملة لهدمه رجل هندوسي وثني مشرك، كان زعيماً لجماعة من الهندوس الكفرة، ظل مدة كبيرة يدربهم على هدم المسجد، لكن أذيع في الأيام الأخيرة أن هذا الرجل دخل في الإسلام، وظل يبكي ويدعو الله سبحانه وتعالى أن يمحو عنه وزر تحطيم هذا المسجد.