[تمام نعمة الله على عبده المصطفى عليه الصلاة والسلام]
قال جعفر بن محمد وهو يتكلم شارحاً معنى قوله تعالى:((وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ)) صلى الله عليه وآله وسلم: من تمام نعمته عليه أن جعله حبيبه، وأقسم بحياته، ونسخ به شرائع غيره، وعرج به إلى المحل الأعلى، وحفظه في المعراج حتى {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}[النجم:١٧]، وبعثه إلى الأحمر والأسود، وأحل له ولأمته الغنائم، وجعله شفيعاً مشفعاً، وسيد ولد آدم، وقرن ذكره بذكره، ورضاه برضاه، وجعله أحد ركني التوحيد، ثم قال:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ}[الفتح:١٠].
ومن نعمه عليه صلى الله عليه وآله وسلم ما امتن عليه به في سورة النجم والإسراء والفتح، ومن ذلك قوله تعالى:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة:٦٧]، ومنه قوله تعالى:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا}[الأنفال:٣٠] إلى آخر الآية، ومنها قوله تعالى:{إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ}[التوبة:٤٠]، وما كان من أمر الغار، وسراقة بن مالك.
ومن مقام كماله صلى الله عليه وسلم ما جبله الله عليه من كمال خلقته، وجمال صورته، وقوة عقله، وصحة فهمه، وفصاحة لسانه، وقوة حواسه وأعضائه، واعتدال حركاته، وشرف نسبه، وعزة قومه، وكرم بيته صلى الله عليه آله وسلم.
وأما خصاله المكتسبة الأخروية فسائر الأخلاق العلية، والآداب الشرعية، من الدين والعلم، والحلم والصبر، والشكر والعدل، والزهد والتواضع، والعفو والعفة، والجود والشجاعة، والحياء والمروءة، والصمت والتؤدة والوقار، والرحمة، وحسن الأدب والمعاشرة وأخواتها التي جماعها حسن الخلق.
وإذا كانت خصال الكمال والجلال ما ذكرناه، ورأينا الواحد منا يتشرف بواحدة منها أو اثنتين، إن اتفقت له في كل عصر، إما من نسب، أو جمال، أو قوة، أو علم، أو حلم، أو شجاعة، أو سماحة، حتى يعظم قدره، ويضرب باسمه الأمثال، ويتقرر له بالوصف بذلك في القلوب أثرة وعظمة، وهو منذ عصور خوال رمم بوال، فما ظنك بعظيم قدر من اجتمعت فيه كل هذه الخصال إلى ما لا يعد ولا يعبر عنه مقال، ولا ينال بكسب ولا حيلة إلا بتخصيص الكبير المتعال من فضيلة النبوة والرسالة، والخلة والشفاعة، والوسيلة والفضيلة، والدرجة الرفيعة، والمقام المحمود، والبراق والمعراج، والبعث إلى الأحمر والأسود، والصلاة بالأنبياء، والشهادة بين الأنبياء والأمم، وسيادة ولد آدم، ولواء الحمد، والبشارة والنذارة، والمكانة عند ذي العرش، والأمانة والهداية، ورحمة للعالمين، وإعطاء الرضا والسؤل والكوثر، وسماع القول، وإتمام النعمة والعفو عما تقدم وما تأخر، وشرح الصدر، ووضع الوزر، ورفع الذكر، وعزة النصر، ونزول السكينة، والتأييد بالملائكة، وإيتاء الكتاب والحكمة، والسبع المثاني، والقرآن العظيم، وتزكية الأمة، والدعاء إلى الله، وصلاة الله تعالى والملائكة، والحكم بين الناس بما أراه الله، ووضع الإصر والأغلال عنهم، والقسم باسمه، وإجابة دعوته، وتكليم الجمادات والعجم، ونبع الماء من بين أصابعه، وتكثير القليل، وانشقاق القمر، ورد الشمس، وقلب الأعيان، والنصر بالرعب، وظل الغمام، وتسبيح الحصى، وإبراء الآلام، والعصمة من الناس إلى ما لا يحويه محتفل، ولا يحيط بعلمه إلا مانحه ذلك سبحانه، ومفضله به لا إله غيره، إلى ما أعد له في الدار الآخرة من منازل الكرامة، ودرجات الخلد، ومراتب السعادة، والحسنى والزيادة التي تقف دونها العقول، ويحار دون إدراكها الوهم.