ثم قال الله تبارك وتعالى:{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}[النجم:١٧]: قال ابن عباس: (ما زاغ البصر يميناً ولا شمالاً، ولا جاوز ما أُمر به)، وعلى هذا المفسرون، فنفى عن نبيه صلى الله عليه وسلم ما يعرض للرائي الذي لا أدب له بين يدي الملوك والعظماء من التفاته يميناً وشمالاً، ومجاوزة بصره لما بين يديه، وأخبر عنه بكمال الأدب في ذلك المقام، وفي تلك الحضرة، إذ لم يلتفت جانباً، ولم يمد بصره إلى غير ما رأى من الآيات وما هناك من العجائب، بل قام مقام العقل الذي أوجب أدبُه إطراقَه وإقبالَه على ما رأى دون التفاته إلى غيره، ودون تطلعه إلى ما لم يره، مع ما في ذلك من ثبات الجأش وسكون القلب وطمأنينته، وهذا غاية الكمال.
وزيغ البصر: التفاته جانباً.
وطغيانه: مده أمامه إلى حيث ينتهي.
فنزه في هذه السورة علمه عن الضلال:{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}[النجم:١]، ونزه عمله عن الغي، {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}[النجم:٢] ونطقه عن الهوى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}[النجم:٣]، ونزه فؤاده عن تكذيب بصره:{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}[النجم:١١]، ونزه بصره عن الزيغ والطغيان:{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}[النجم:١٧]، وهكذا يكون المدح: تلك المكارم لا قعبان من لبن شبن بماء فعادت بعد أبوالا