للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون)

قال تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:١٧] أي: كانوا يهجعون هجوعاً قليلاً لتتقوى نفوسهم على عبادته تعالى بنشاط.

وروى ابن جرير عن أنس رضي الله عنه في هذه الآية: (أنهم كانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء).

وقال: محمد بن علي: كانوا لا ينامون حتى يصلوا العتمة، أي: حتى يصلوا صلاة العشاء.

وعن مطرف قال: قلَّ ليلة لا تأتي عليهم إلا يصلون فيها لله عز وجل إما من أولها أو من أوسطها.

وعن الحسن قال: كابدوا قيام الليل فلا ينامون من الليل إلا أقله.

إذاً: قيام الليل فيه نوع من المجاهدة؛ لأن الإنسان في حالة اليقظة بالنهار حتى من الناحية (الفسيولوجية) يفرز هرمونات النشاط، وضوء النهار يمر من عين الإنسان، فيؤثر على غدة معينة فتزيد الإفراز من هرمونات النشاط، أما في حالة الليل فإنه يقل، وبالتالي إذا أراد الإنسان السهر يحتاج إلى مجاهدة ومكابدة ومقاومة للرغبة في النوم.

وقال الضحاك: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} * {كَانُوا قَلِيلًا} ثم ابتدأ فقال: ((مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)) يعني: المحسنين كانوا قليلاً، فيسكت ثم يبتدئ فيقول: {مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} * {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} على أساس أن (ما) نافية، بمعنى: لا يهجعون.

يقول ابن كثير: وهذا القول فيه بعد وتعسف.

يقول القاسمي رحمه الله تعالى: في هذه الجملة الكريمة مبالغات في وصف هؤلاء بقلة النوم وترك الاستراحة؛ وذلك لأنه ذكر القليل ((مِنَ اللَّيْلِ))، والليل هو وقت النوم، والهجوع هو الخفيف من النوم.

حتى أنه لم يقل: ما ينامون، لكن قال: ((ما يهجعون)) فاختار أخف درجة من النوم التي هي الهجوع.

و (ما) زائدة تدل على القلة، وبالجملة ففي الآية استحباب قيام الليل وذم نومه كله، والأحاديث على ذلك كثيرة شهيرة.