للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تضمن الآيات لسبعة أمور يدل عليها القرآن]

يقول العلامة الشنقيطي: تضمنت هذه الآيات الكريمة سبعة أمور: الأول: إنكار علم الغيب المدلول عليه بـ (الهمزة): (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ)، والمقصود نفي علمه بالغيب.

الثاني: أن لكل من إبراهيم وموسى صحفاً لم ينبأ بما فيها هذا الكافر.

الثالث: أن إبراهيم وفَّى، أي: أتم القيام بالتكاليف التي كلفه ربه بها.

الرابع: أن في تلك الصحف: أنه لا {تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.

الخامس: أن فيها أيضاً: أنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى.

السادس: أنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى.

السابع: أنه يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى، أي: الأكمل والأتم.

وهذه الأمور السبعة قد جاءت كلها موضحة في غير هذا الموضع.

أما الأول منها -وهو: عدم علمهم بالغيب- فقد ذكره تعالى في مواضع كثيرة، منها قوله تعالى هنا: ((أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ)).

وقال عز وجل أيضاً: {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [القلم:٤٧].

وقال: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدَاً} [مريم:٧٨].

وقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [آل عمران:١٧٩].

وقال: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدَاً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن:٢٦ - ٢٧].

وقال: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:٦٥].

الأمر الثاني: أن لكل من إبراهيم وموسى صحفاً لم يُنبأ بما فيها هذا الكافر، ولم يكن هذا المتولي المعطي قليلاً المكدي عالماً بها، قال الله تبارك وتعالى أيضاً: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى:١٨ - ١٩].

وأما الثالث منها -وهو أن إبراهيم وفَّى في تكاليفه- فقد ذكره الله تعالى في قوله: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة:١٢٤] يعني: وفَّى.

وقد قدمنا أن الأصح في الكلمات التي ابتلي بها أنها التكاليف.

وأما الرابع: وهو أنه لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، فقد قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [العنكبوت:١٢].

وقال تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) [فاطر:١٨].

أما الخامس منها -وهو أنه لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى فقد وضحه قوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء:٧].

وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت:٤٦].

وقال: {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحَاً فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} [الروم:٤٤].

وقوله عز وجل هنا: (وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) يدل على أن الإنسان لا يستحق أجراً إلا على سعيه بنفسه، ولم تتعرض هذه الآية لانتفاعه بسعي غيره بنفي ولا إثبات.

وهذا ما نفصله -إن شاء الله تعالى- فيما سيأتي، والله أعلم.