تفسير قوله تعالى: (قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً وأقل عدداً)
{قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا * إِلَّا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا * حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا} [الجن:٢١ - ٢٤].
يقول تبارك وتعالى: ((قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا)) أي: لأن ذلك لله تعالى وحده، فلا تستعجلوني بالعذاب، فهذا ليس بيدي.
((وَلا رَشَدًا)) إما أن يراد بالرشد هنا النفع تعبيراً بالسبب عن المسبب، يراد بالضر الغي، تعبيراً باسم المسبب عن السبب.
ويجوز أن يجرد من كل منهما ما ذكر في الآخر، فيكون احتباكاً، والتقدير: قل إني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً ولا غياً ولا رشداً.
يقول تبارك وتعالى: ((قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ)) يعني: إن أراد الله عز وجل بي سوءاً فلن يجيرني من الله أحد.
((وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا)) يعني: ملتجأً إن أهلكني، وأصله المدخل من اللحد.
قوله تعالى: {إِلَّا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ} [الجن:٢٣] هو استثناء من قوله: ((لا أَمْلِكُ)).
((قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا)) * ((إِلَّا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ))، يعني: أملك لكم نوعاً معيناً من الرشد، وهو أنني أبلغكم رسالة الله والوحي الذي يهديكم به، فإن التبليغ إرشاد ونفع، فالاستثناء متصل، وما بينهما اعتراض مؤكد لنفي الاستطاعة، أعني قوله: ((قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا)).
وجمعت الرسالات في قوله: ((وَرِسَالاتِهِ)) لأنها تعبر عن معاني الوحي وأحكام الحق؛ لأنها متعددة.
((وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)) يعني: فلم يسمع ما جاء به، ولم يقبل ما يبلغه، ((فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا)).
((حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ)) يعني: ما يوعدون في الرسالات الإلهية من الظهور عليهم أو العذاب الأخروي.
((فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا)) أي: أجند الرحمن أو إخوان الشيطان؟!