[تفسير قوله تعالى:(وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس)]
يقول تبارك وتعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ}[البقرة:١٣] قوله: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا)) يعني: هذا أمر بالمعروف بعد نهيهم عن المنكر في قوله: ((لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ)) [البقرة:١١].
قوله:(كما آمن الناس) يعني: كما آمن الناس الكمّل وهم المؤمنون؛ لأن المؤمنين هم الناس في الحقيقة، فالمقصود بالناس هنا هم المؤمنون.
قوله:((قَالُوا أَنُؤْمِنُ)) هذا استفهام فيه معنى الإنكار، أي: هم يستنكرون على من يأمرهم بذلك، ويقولون:(أنؤمن كما آمن السفهاء) فسموا المؤمنين الكمّل سفهاء! والسفه: هو خفة وسخافة في الرأي يورثهما قصور العقل، وقلة المعرفة بمواضع المصالح والمضار، وقد وصف الله تبارك وتعالى النساء والصبيان (بالسفهاء) بهذا الاعتبار؛ لعدم إحسانهم تقدير عواقب الأمور وميزانها بالميزان الصحيح حيث قال عز وجل:{وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}[النساء:٥].
إذاً: هؤلاء المنافقون كانوا في يسار وسعة عيش، وكانوا في رياسة وجاه، وكان أكثر المؤمنين فقراء، منهم الموالي: كـ صهيب وبلال وخباب رضي الله تعالى عنهم أجمعين فدعوهم سفهاء؛ تحقيراً لشأن هؤلاء الصحابة؛ لأنهم ضعفاء، وقد ذكر أبو سفيان لـ هرقل حينما سأله:(أضعفاء الناس اتبعوه أم وجهاؤهم وأشرافهم؟ فقال: بل ضعفاؤهم اتبعوه، فقال: كذلك أتباع الأنبياء).
الشاهد هنا أن قوله:((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ)) أي: الصحابة أو المؤمنون.
قوله:((قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ)) يعني: الفقراء الضعفاء كـ صهيب وبلال وخباب وغيرهم، نحن لا نفعل كفعلهم، فقال الله تبارك وتعالى رداً عليهم وذباً عن هؤلاء المؤمنين:((أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ)) يعني: لا يعلمون ذلك، فكأن السفاهة كلها منحصرة فيهم هم، لا في غيرهم، ولا تخرج عنهم.