[تفسير قوله تعالى: (ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك)]
قال تبارك وتعالى: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ} [الشرح:٢ - ٣].
الوزر: هو الحمل الثقيل، ووضعه: إزالته عنه؛ لأنه إذا تعدى بعلى كان بمعنى التحميل، وإذا تعدى بمن كان بمعنى الإزالة، مثلاً تقول: وضعت على الجمل الأثقال.
هذا بمعنى التحميل، لكن وضعت عنه هذه الأثقال بمعنى الإزالة.
قوله: (الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ) الإنقاض: هو حصول النقيض بالضاد، والنقيض هو صوت فقرات الظهر.
وقيل: صوت الجمل أو الرحل أو المركوب إذا ثقل عليه، فالإنقاض التثقيل في الحمل حتى يسمع له نقيض، أي: صوت.
وقال ابن عرفة: هو الأثقال يجعل ما حمل عليه نقضاً، أي: مهزولاً ضعيفاً، وقد مثل بذلك حاله صلى الله عليه وسلم مما كان يثقل عليه ويهمه من كثرة المستهزئين بدعوته، وضعف من سبق إلى الإيمان به، وشيوع الشرك والضلال في جزيرة العرب، وقوة أهلها؛ ووضع الأثقال عنه هو كثرة من آمن به، ودخولهم في دين الله أفواجاً، وقوة أتباعه، وانمحاء الشرك والجاهلية من الجزيرة، وذل أهلها بعد العز، وانقيادهم بعد شدة الإيذاء.
وقيل: الآية كناية عن عصمته وتطهيره من دنس الآثام، كما قال الله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [الفتح:٢].
والوجه الأول أقوى؛ لأن الوزر هو حال النبي عليه الصلاة والسلام مما كان يثقل عليه من تألمه بحال المستهزئين به، وعدم استجابتهم له، وضعف أتباعه إلى آخره.
وسبق أن تكلمنا بالتفصيل في سورة الفتح، في تفسير قوله تعالى: ((لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)) وبينا أن النبي عليه الصلاة والسلام معصوم من المعاصي، وأن الأنبياء كلهم معصومون من المعاصي والآثام، وأن ما ورد في الكتاب أو السنة مما يفهم منه خلاف ذلك فهو محمول على أحد أمرين: إما أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ما هو خلاف الأولى، فيكون هذا في حقه كما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين، فعد معصية بالنسبة إلى مقامه العالي الشريف وعوتب عليه.
وإما أن يكون عليه الصلاة والسلام اجتهد في هذا الأمر وظن أنه يوافق مرضاة الله، ثم بعدما فعله اتضح أنه بخلاف ذلك، فعد ذنباً بهذا الاعتبار، لكن تعمد مخالفة أمر الله لا تصدر عنه.
والقاعدة المقررة عند أهل السنة: هي عصمة الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.