[تفسير قوله تعالى: (وجاءه قومه يهرعون إليه)]
{وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود:٧٨].
كيف لا يشتد عليه والشيء الذي كان يخافه قد حصل؟! وذلك كما في قوله تعالى: ((وجاءه قومه يُهرعون إليه)) أي: يسرعون كأنما يدفعون دفعاً، وقرئ مبنياً للفاعل: (يَهرعون إليه) ((ومن قبل)) أي: من قبل مجيئهم.
((كانوا يعملون السيئات)) أي: الفواحش، ويكثرون منها، فهم قد مرنوا عليها، وقل عندهم استقباحها، فلذلك جاءوا مسرعين مجاهرين لا يكفهم حياء، فالجملة (ومن قبل كانوا يعملون السيئات) معترضة لتأكيد ما قبلها.
وقيل: إنها بيان لوجه ضيق صدره، أي: لما عرف لوط عادتهم في عمل الفواحش قبل ذلك.
ثم قال لهم لوط: ((هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ)): أراد أن يقي أضيافه ببناته، وذلك غاية الكرم.
أي: فتزوجوا هؤلاء البنات.
أو ((هؤلاء بناتي)) باعتبار أن النبي يكون أباً لأتباعه فيقصد النساء عموماً.
أو كان ذلك مبالغة في تواضعه لهم وإظهاراً لشدة امتعاضه مما أوردوا عليه، طمعاً في أن يستحيوا منه، ويرقوا له إذا سمعوا ذلك، فيتركوا ضيوفه.
والظاهر أنه عليه السلام كان واثقاً بأن قومه لا يؤثرونهن بوجه ما، يعني: مهما أطرى وأطنب وشوق ورغب، فكان إظهاره وقاية ضيفانه وفداءهم بهن، مع وثوقه المذكور وجزمه مبالغة في الاعتناء بحمايتهم، فهو بذل كل ما يستطيع من أجل حماية ضيفانه، مع أنه كان آيساً من أن يستجيبوا لنصيحته، لكنه قال ذلك قياماً بالواجب في مثل هذا الخطب الفادح الفاضح الذي يدوم عاره وشناره، من الدفاع عنهم بأقصى ما يمكن، لكي لا ينسب إلى قصور، وليعلم أن لا غاية وراء هذا لمن لا ركن له من عشيرة أو قبيلة، فهو ما ترك سبيلاً يحمي به ضيفانه إلا سلكه، ومنها: أنه حرضهم على الزواج ببناته وقاية لضيفانه.
وقوله: ((هن أطهر لكم)) هذا من التشويق على مرأىً من ضيفانه ومسمع، وفيه ما فيه من زيادة الكرم والإكرام ورعاية الذمام.
وبالجملة فهو ترغيب بمحال الوقوع باطناً، وإعذار لنزلائه ظاهراً، والله تعالى أعلم.
أي: إذا نطق بهذا الكلام أمام نزلائه وضيفانه يكون قد أعذر نفسه أمامهم، وأنه لم يقصر في حمايتهم.
وفي هذا إرشاد إلى التطهر بالطرق المسنونة وهي النكاح، وإشارة إلى تناهي وقاحة أولئك بما استأهلوا به أخذهم الآتي.
((فاتقوا الله)) أي: أن تعصوه بما هو أشد من الزنا خبثاً؛ لأن هناك داعية فطرية وطبيعية تدفع إلى الزنا، أما فعل فاحشة قوم لوط فهو أمر تنفر منه الفطرة، فهو أشد خبثاً من الزنا.
((ولا تخزون في ضيفي)) أي: ولا تهينوني وتفضحوني في شأنهم؛ فإنه إذا أهين ضيف الرجل أو جاره، فإن الخزي يصيب الرجل نفسه لأنه لم يحم ضيفانه، وذلك من عراقة الكرم وأصالة المروءة.
(تخزون) مجزوم بحذف النون، وياء المتكلم محذوفة واكتفى عنها بالكسرة، وقرئ بإثباتها: ((ولا تخزوني في ضيفي)).
((أليس منكم رجل رشيد)) أي: فيرعوي عن القبيح ويهتدي إلى الصواب.