[الإنصاف في الرد على المخالف]
بعض الإخوة أتاني الليلة بكتاب كنا قد تكلمنا عنه بصورة عابرة في درس الوداع في مسجد البكري، واسمه: البحث عن الصواب في شرعية النقاب، وقد كنت رددت رداً سريعاً عابراً على الكتاب، ثم أتاني أحد الإخوة وقال: إنه يوزع بالمجان، وأنا كنت حريصاً على أن أعرف من مؤلف هذا الكتاب؟ وسألت أحد الإخوة: صف لي أين يصلي هذا المؤلف، فذكر لي بعض علاماته، وقال أخ آخر في المسجد: إن مؤلف الكتاب توفي رحمه الله منذ شهر، وبعدما انصرفت عن الإخوة قعدت أحاول أتذكر أنه قبل شهر جاء خبر وفاة رجل فاضل جداً اسمه الأستاذ: فهمي رحمه الله تعالى.
فمكثت أتحرى وأتذكر، فكل القرائن كانت تدل على أنه هو، فكنت أتمنى ألا يكون هو، حتى اتصلت بأحد الإخوة القريبين جداً من الأستاذ فهمي، ففعلاً أخبرني أنه هو الذي توفي منذ شهر، وهو فعلاً مؤلف هذا الكتاب! فالحقيقة استصعبت جداً عليه أن يؤلف هذا الكتاب، خاصة أن النبرة حادة وشديدة في الكتاب، ومستوى الكتاب ضعيف جداً من الناحية العلمية، لكن في الحقيقة كما نصحت الإخوة من قبل مراراً: أن الإنسان قبل أن ينتقد أحداً ينبغي أن يعرف قدر هذا الشخص أولاً، فإذا كان الأصل فيه الخير والصلاح، ثم زل زلة فالإنسان لا يأتي يقيمه بالزلة هذه فقط، وعليه أن يزن الأمور، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث).
ويقول الشاعر: وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع وهذا الرجل أنا أعرفه منذ سنة (١٩٧٨م)، وهو من الناس الذين من عرفهم أحبهم في الله تبارك وتعالى، وله ارتباط كامل بالدعوة منذ عهد بعيد من أيام نشاط الإخوان المسلمين، وقد كان عابداً ناسكاً، وكان في سنة ١٩٧٠م يندر جداً أن يعتكف أحد في المسجد، لأن ظاهرة الاعتكاف انتشرت من آخر السبعينات، لكن أنا أعرفه منذ سنة سبعين إلى آخر عمره وهو لا يضيع الاعتكاف على الإطلاق، وأخبرني الأخ القريب منه أنه داوم عليه حتى آخر سنة، فطول عمره ما قصر في سنة الاعتكاف أبداً، وكان الأستاذ فهمي رحمه الله تعالى من أشد الناس محافظة على صلاة الجماعة، لا يكاد يعلم له نظير في ذلك، وكان يحافظ على صلاة الفجر والعشاء وجماعة مع شدة مرضه رحمه الله تعالى، وأخ يحكي لي أنه رآه قبل أن يموت وهو يمشي في الطريق يترنح من الإعياء والمرض الذي كان فيه، بل إنه أخبرني أن أهله أشاروا عليه -وقد نزل لصلاة المغرب- فقالوا له: أنت معذور، فصل في البيت؛ من شدة المرض الذي ألم به، فأبى أن يضيع صلاة الجماعة في المسجد مع شدة المرض، فنزل وصلى بالناس صلاة المغرب، ثم شرع في صلاة السنة البعدية للمغرب ففاضت روحه وهو ساجد رحمه الله تعالى! فهو في الحقيقة كان رجلاً عاقلاً حكيماً، وتكفي هذه العلامة من علامات حسن الخاتمة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبله في الصالحين.
أما بالنسبة لكتابه فأعتقد أنها قد تكون زلة والله أعلم، وهو كان يريد الخير بلا شك، فهو إن شاء الله رجل من الصالحين وعابد وناسك، وأنا لا أعرف عنه زلة على الإطلاق إلا ما فوجئت به في هذا الكتيب، ولا يعني هذا أن أسكت عن الرد عليه؛ لكن أقول: الرد كله كامل موجود في كتاب تعرفونه جميعاً في مسألة النقاب، فهو رد كامل، والمشكلة: أن عامة من ينتقدون لا يقرءون الكتب التي ينتقدونها، والمفروض أن الإنسان قبل أن ينتقد كتاباً يقرؤه أولاً، فيعطي المؤلف حقه وقدره مع شيء من الرد إذا وجد خطأ، فإذا لم يقرأ الكتاب أولاً فهذا تقصير.
وجميع الشبهات التي أوردها المؤلف رحمه الله الرد عليها موجود، فأنا أحيل الإخوة الذين ألحوا علي بالرد عليها، وأقول: إذا كنا سنرد على كل شيء فسنضيع الوقت في الردود، ولكننا نضطر للرد عندما يكون الأمر شائعاً كالذي حصل من مصطفى محمود، وكأنه -سامحه الله- لا يريد أن ينتهي، فهو ما بين الفترة والأخرى يورد مقالة تولد مقالة ثانية، والظاهر أنه يتشبث بـ الطهطاوي وبالشيخ محمد عبده، ولا أحد يكفر مصطفى محمود ولكنا اضطررنا للرد عليه، لأن مثل هذا لا يسكت عليه، ومستواه العلمي ضعيف جداً جداً.
والحقيقة أن الكتاب المذكور فيه أشياء تصدم بها صدمة شديدة، ويعز علي أن أنتقد الأستاذ فهمي؛ لأنه أستاذي وقدوتي، ورجل أنا أعرف عنه كل خير، وقد صدمت لما عرفت أنه هو المؤلف وتأكدت من ذلك، ولكن هي زلة، ولعل الله سبحانه وتعالى أن يغفر له ويعفو عنه، وأحسبه كان يريد وجه الله سبحانه وتعالى؛ لأنه في عامة أعماله رجل صالح جداً، فلعله بذل جهده في هذه المسألة حسبما يستطيع، فالأمل في رحمة الله خاصة مع هذه القرينة الطيبة جداً، فإن شاء الله أن الله توفاه وهو تائب، ونتمنى أن يرزقنا الله سبحانه وتعالى هذه الخاتمة بالأعمال الصالحة.
معظم الشبهات التي كتبها المؤلف مردود عليها، أما ما عدا ذلك من الكلام الشديد الصعب فالحقيقة أنا سأتجاوز عنه، ولن أرد عليه؛ لأنه أفضى إلى ما قدم، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (اذكروا محاسن موتاكم، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)، فندعو الإخوة جميعاً إلى أن يجتهدوا في الدعاء أن يغفر الله سبحانه وتعالى له، ويرحمه ويجزيه خيراً على نيته، وإن شاء الله أن يكون قد أراد الخير، ونيته حسنة.
أما من الناحية العملية فالرد موجود وسنكتفي بهذا القدر، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمده بواسع رحمته.
ومن أراد أن يحسن إلى المؤلف فعليه أن يكف عن طباعة هذا الكتاب، فمن أراد بالفعل أن يحسن إلى الأستاذ فهمي رحمه الله تعالى فليكف عن طبع هذا الكتاب، وإلا فسنضطر إلى الرد عليه لو انتشر الكتاب وذاع بطريقة أكثر، فمن أراد أن يحسن إليه فليكف عن طباعة هذا الكتاب؛ لأنه ضعيف في الحقيقة من الناحية العلمية، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمد الأستاذ فهمي رحمه الله تعالى بواسع رحمته، وأن يتجاوز عنه، وأن يتقبله في الصالحين.