وقوله تعالى:((وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ))، المشهور في الآية أنه يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين الكافر وبين الإيمان، ويحول بين أهل طاعته وبين معصيته، وبين أهل معصيته وبين طاعته.
وهذا قول ابن عباس وجمهور المفسرين.
وفي الآية قول آخر: أن المعنى: أنه سبحانه وتعالى قريب من قلبه لا تخفى عليه خافية، فهو بينه وبين قلبه.
ذكره الواحدي عن قتادة، وكأن هذا أنسب بالسياق؛ لأن الاستجابة أصلها بالقلب، فلا تنفع الاستجابة بالبدن دون القلب، فإن الله سبحانه وتعالى بين العبد وقلبه، فيعلم هل استجاب له قلبه، وهل أضمر ذلك أو أضمر خلافه.
وعلى القول الأول فوجه المناسبة: إنكم إن تثاقلتم عن الاستجابة وأبطأتم عنها فلا تأمنوا أن يحول الله بينكم وبين قلوبكم.
فإذاً هنا تهديد: لا تأمنوا، وإياكم أن يعاقبكم بأن يحول بينكم وبين قلوبكم، فلا يمكنكم بعد ذلك الاستجابة.
فإذا لم تبادروا فلا تأمنوا أن يعاقبكم الله بالحيلولة بينكم وبين الاستجابة، وبين الحق واستبانته، فيكون هذا كقوله تعالى:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ}[الأنعام:١١٠]، لأنهم لم يبادروا، وقوله تعالى:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف:٥]، وقوله:{فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ}[الأعراف:١٠١]، ففي الآية تحذير عن ترك الاستجابة بالقلب.
كما أن الاستجابة لا تقتصر على الاستجابة بالجوارح، لكن تكون أيضاً بالقلب.
فالله سبحانه وتعالى يحول بينكم وبين قلوبكم، ويطلع على قلوبكم، وهو أقرب منكم إلى قلوبكم.
وفي الآية سر آخر: وهو أنه جمع لهم بين الشرع والأمر به -وهو الاستجابة- وبين القدر والإيمان به، فجمعه بين الشرع والقدر في قوله:((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ))، فهنا أمر شرعي طلبي، ثم قال:((وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ))، فيكون كمثل قوله تعالى:{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ}[التكوير:٢٨]، هذا شرع، ثم قال:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[التكوير:٢٩]، وكقوله تعالى:{فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[المدثر:٥٥ - ٥٦].