قوله:(وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة) يعني آدم عليه السلام (فمستقر ومستودع) تُقرأ: (مستقَر) وتقرأ: (مستَقِر ومستودَع) بفتح الدال لا غير، أي أن الكسر والفتح هو فقط في كلمة (مستقِر) أما (مستودع) فبفتح الدال لا غير.
وقوله:(وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع) يعني: فلكم استقرار واستيداع.
أو: موضع استقرار واستيداع.
وهذا الاستقرار إما في الأصلاب أو فوق الأرض؛ لقوله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}[الأعراف:٢٤] يعني: على أنها مكان، أو في الأرحام؛ لقوله تعالى:{وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ}[الحج:٥] أو: (مستقر) في أصلاب الرجال و (مستودع) في أرحام النساء، فجعل الصلب مستقر النطفة، والرحم مستودعها؛ لأنها تحصل في الصلب، يقول عز وجل:{خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}[الطارق:٦ - ٧].
وهذا أمر معروف الآن في علم التشريح، وهو أن الغدة التي تخرج منها الحيوانات المنوية التي تكون سبباً في خلق الإنسان تكون موجودة أساساً بين الصلب والترائب، ثم بعد ذلك يحصل الهبوط لها إلى موضعها في أسفل الجذع، لكنها توجد بين الصلب والترائب ثم بعد ذلك تنزل.
فهذه -أيضاً- يعتبرونها من آيات الإعجاز العلمي، فقوله تعالى:(يخرج من بين الصلب والترائب) يعني: يخرج من الغدة والخصية التي تكون في هذا الموضع، ثم تنزل بعد ذلك حتى بعد أن يولد المولود.
فقوله:(فمستقر ومستودع) مستقر النطفة الصلب، والرحم مستودعها؛ لأنها تحصل في الصلب لا من قبل شخص آخر، وإنما من قبل الأب، فأشبهت الوديعة، ثم تخرج من صلب الرجل، فكأن هذا الشخص نفسه هو الذي استودعها في هذا الموضع.
أو يكون المعنى: تحت الأرض أو فوقها؛ فإنها عليها، أو وضعت فيها لتخرج منها مرةً أخرى، يقول الشاعر: وما المال والأهلون إلا ودائع ولا بد يوماً أن ترد الودائع وعلى قراءة: (فمستقِرٌ ومستودَع) يكون المعنى: منكم قار ومنكم مستودع.