[كيفية الصيام في كفارة اليمين]
قوله تعالى: (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) يصدق على الأيام مجموعة أو متفرقة، كما في قضاء رمضان، فقد قال تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:١٨٤]، فيمكن أن تكون متتابعة، ويمكن أن تكون متفرقة، وكلاهما يصدق عليه هذا الوصف.
ومن أوجب التتابع استدل بقراءة أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود أنهما كانا يقرآن: (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) وهذا لم يثبت كونه قرآناً متواتراً، لكن هذه تسمى قراءة شاذة، وقراءة تفسيرية، حيث إن الصحابي يتلو الآية ويزيد لفظاً من عنده كي يفسر اللفظ الذي قرأه.
وفي الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن سمرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير)، وعند أبي داود: (فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير) ومعنى ذلك أن التكفير قبل الحنث جائز، فإذا حلف على شيء فإن له أن يكفر أولاً ثم يحنث.
وقوله تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ فيه استحباب ترك الحلف إلا إذا كان خيراً، لما تقدم من حديث ابن سمرة، وهذا على أحد وجهين في الآية، والوجه الآخر يعني: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} أي: احترموا هذا اليمين ولا تحنثوا فيه إلا إذا كان عكسه خيراً منه والحنث فيه خير.
قال كثير: قليل الألايا حافظ ليمينه وإن سبقت منه الألية برت فقوله: (قليل الألايا) يمدح به رجلاً بأنه قليل الحلف.
وسر إطعام العشرة أنه بمنزلة الإمساك عن الطعام عشرة أيام، بالعدد الكامل الكاسر للنفس المجترئة على الله تعالى، وسر الكسوة كونه يجزي بستر العورة سر المعصية، وسر العتق تحرير الرقبة من الإثم، وسر صوم الثلاثة الأيام أن الصيام لما كان صوماً بنفسه اكتفي فيه بأقل الجمع.
يقول الحافظ ابن القيم رحمه الله تعالى: وكان صلى الله عليه وسلم يستثني في يمينه تارة.
يعني: يمكن أن تحلف وتستثني، وفي هذه الحالة لا تجب عليك الكفارة إذا حنثت، فإذا قلت -مثلاً-: والله لا أدخل إن شاء الله.
فدخلت ففي هذه الحالة لا كفارة؛ لأنك استثنيت بالمشيئة.
يقول: كان صلى الله عليه وسلم يستثني في يمينه تارة، ويكفرها تارة، ويمضي فيها تارة، والاستثناء يمنع عقد اليمين، والكفارة تحلها بعد عقدها.
وقد رأيت أخاً فقيهاً يهدد ابنه بأنه سيضربه، والطفل غافل عن الاستثناء، فيقول له: والله لأضربنك -إن شاء الله- إذا فعلت كذا.
والولد لا يفهم أنه إن استنثى فمعناه أنه ليس هذا حلفاً.
والاستثناء يمنع عقد اليمين، والكفارة تحلها بعد عقدها؛ ولهذا سماها الله (تحلة) وحلف صلى الله عليه وسلم في أكثر من ثمانين موضعاً، وأمر الله سبحانه وتعالى بالحلف في ثلاثة مواضع، فقال تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس:٥٣]، وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ:٣]، وقال تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:٧] وكلها أمور عظيمة يحلف عليها.
وكان إسماعيل بن إسحاق القاضي يذكر أبا بكر بن داود الظاهري ولا يسميه بالفقيه، فتحاكم إليه يوماً هو وخصم له، فتوجهت اليمين على أبي بكر بن داود، فتهيأ للحلف، فقال له القاضي إسماعيل: وتحلف ومثلك يحلف يا أبا بكر! فقال: وما يمنعني عن الحلف وقد أمر الله تعالى نبيه بالحلف في ثلاثة مواضع من كتابه! قال: أين ذلك؟ فسردها أبو بكر، فاستحسن ذلك منه جداً ودعاه بالفقيه من ذلك اليوم.