[أقوال المفسرين في قوله تعالى:(إنما بغيكم على أنفسكم)]
قال القاشاني معلقاً على عن قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[يونس:٢٣] البغي ضد العدل، فكأن العدل فضيلة شاملة لجميع الفضائل، وهيئة وحدانية لها فائضة من نور الوحدة على النفس، فالبغي لا يكون إلا عن غاية الانهماك في الرذائل، بحيث يستلزمها جميعاً، فصاحبها في غاية البعد عن الحق ونهاية الظلمة، كما قال عليه الصلاة والسلام:(الظلم ظلمات يوم القيامة) فلهذا قال: ((إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ)) أي: أن الجزاء من جنس العمل.
الإنسان إذا ظلم وبغى فهو في الحقيقة لا يظلم المظلوم، لكنه يظلم نفسه، ولذلك لما قال الحجاج لـ سعيد بن جبير: انظر يا سعيد! أي قتلةٍ تريد أن أقتلك بها! قال له: اختر لنفسك يا حجاج! فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها يوم القيامة.
وهذا في صحيح مسلم.
فهذا معنى ((إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ)) كما تدين تدان، كما تفعل بالناس يفعل بك.
إذاً: المقصود من قوله: ((إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ)) أن بغيكم يعود عليكم، لا على المظلوم وحده، والمظلوم يسعد ثم يشقى الظالم غاية الشقاء، ولذلك لما سئلت أسماء ذات النطاقين رضي الله تعالى عنها، حيث سألها الحجاج عن مصير ابنها الذي قتله وصلبه قالت:(أراك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك) أي: أفسدت عليه دنياه بالقتل، لكن هو أفسد عليك آخرتك بالوبال وبالعذاب الذي ستلقاه يوم القيامة.
فالمظلوم يسعد ويثاب، والله سبحانه وتعالى يستجيب دعوته، أما الظالم فإنه يشقى ببغيه وظلمه غاية الشقاء، وهو ليس إلا متاع الحياة الدنيا، إذ جميع الإفراطات والتفريطات المقابلة للعدالة تمتعات طبيعية ولذات حيوانية تنقضي بانقضاء الحياة الحسية التي مثلها في سرعة الزوال وقلة البقاء مثل تزين الأرض بزخرفها من ماء المطر، ثم فسادها ببعض الآفات السريعة قبل الانتفاع بنباتها.
((ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)) أي: سنجازيكم به مما يتبعه من الشقاوة الأبدية والعذاب الأليم الدائم، وفي الحديث (أسرع الخير ثواباً صلة الرحم، وأعجل الشر عقاباً البغي واليمين الفاجرة) لأن صاحبه تتراكم عليه حقوق الناس، فلا تحتمل عقوبته المهل الطويل الذي يحتمله حق الله تعالى.
يقول القاسمي: وسمعت بعض المشايخ يقول: قلما يبلغ الظالم والفاسق أوان الشيخوخة، فالله يعاجلهم بالأخذ؛ وذلك لمبارزتهم الله تعالى في هدم النظام المصروف عنايته تعالى إلى ضبطه، ومخالفتهم إياه في حكمته وعدله.