تفسير قوله تعالى:(فأنذرتكم ناراً تلظى الذي كذب وتولى)
قال الله تعالى:{فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى}[الليل:١٤ - ١٦].
قوله:{فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى} يعني: الله الذي يملك الآخرة والأولى، وهو غني عن عباده لا تنفعه طاعتهم ولا تضره معصيتهم، فمن كان هذا فعله فينبغي للمخلوق أن يبادر نفسه إلى طاعته، وأن يحذر من معصيته؛ ولذلك رتبت هذه الآية:(فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى) على قوله: {وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى}.
ومعنى (تَلَظَّى) أي: تتلظى وتتوهج، وهي نار الآخرة.
قوله:{لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} أي: كذب بالحق لما جاءه، ((وَتَوَلَّى)) أي: تولى عناداً عن آيات ربه وبراهينها التي وضح أمرها وظهر نورها.
وهذه الآية مما تعلق به بعض المغرورين فزعموا أن قوله تعالى:(لا يَصْلاهَا إِلَّا الأَشْقَى) دليل على أنه لا يدخل النار إلا كافر، وليس الأمر كما ظنوا؛ لأن هذه النار موصوفة بقوله:(نَارًا تَلَظَّى) ولأن النار طبقات، فدرجات الجنة تذهب علواً، ودركات النار تذهب سفلاً، ولأهل النار منازل، وسياق الآيات في الأشقى الذي أتى بأفظع أنواع الكفر والإجرام، فلا ينافي هذا أن هناك من عصاة الموحدين من يدخل النار كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة، فلو كان كل من لا يشرك لا يعذب لم يقل الله تبارك وتعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء:٤٨]، ويكون -على هذا- قوله تبارك وتعالى:(وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ) كلاماً لا معنى له إذا كان العاصي الموحد لا يعذب.
وأيضاً في قوله تعالى:{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ}[النساء:١٧ - ١٨]، فهؤلاء لا يتوب الله عليهم مع أن الفريق الأول ليسوا كفاراً، فالعصاة الموحدون إذا تابوا عند حضور الموت لا يتوب الله عليهم، فالتوبة عند الغرغرة لا تقبل.
إذاً: الذي يموت على شيء من المعاصي أو الكبائر وهو لم يتب منها فإنه تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، فلا يصح أن يتعلق بهذه الآية على أنه لا يدخل النار إلا الأشقى؛ لأن أهل النار منازل.