((لَنْ تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ)) يعني: قراباتكم، وليست على ظاهرها، فالأرحام هنا ليس المقصود بها الأرحام نفسها، لكن المقصود ذوو الأرحام، يعني: لن تنفعكم ذوو أرحامكم، أي: قراباتكم، ((وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
وجاء هذا السياق لأن السورة نزلت في حاطب بن أبي بلتعة، وحاطب إنما أراد أن تكون له يد -أي: جميل- عند أهل مكة المشركين؛ لأنه لم يكن له في مكة من يحمي عشيرته من أذى المشركين، فأراد أن يسدي إليهم جميلاً حتى يكفوا الأذى عن أهله وعشيرته، فالله سبحانه وتعالى يبين أنه يوم القيامة لن تنفعكم هذه القرابات، أي: القرابات التي ارتكب حاطب هذه الكبيرة بسببها: ((لَنْ تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ)) بإثابة المؤمنين، ومعاقبة العاصين.
وقوله:(يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) فيه عدة قراءات، منها:(يوم القيامة يُفصَل بينكم)، وقرئ:(يوم القيامة يُفصَّل بينكم)، وفي قراءة:(يوم القيامة يُفصِّل بينكم)، وقرئت:(يوم القيامة نُفصِّل بينكم) على العظمة، وقرئت أيضاً:(يوم القيامة نَفصِّل بينكم).
وقال القاشاني: أي لا نفع لمن اخترتم موالاة العدو الحقيقي لأجله؛ لأن القيامة مفرِّقة، ((يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ)) فهؤلاء الذين اختاروا موالاة العدو الحقير لأجلهم، وهو حاطب والى العدو الحقير لأجل قرابته الذين في مكة، فهؤلاء القرابة الذين تهلكون أنفسكم بسببهم لن ينفعوكم يوم القيامة، ولن يغنوا عنكم شيئاً؛ لأنه يوم القيامة يفصل بينكم: أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار؛ لأن القيامة مفرقة، وهذا معنى قوله تعالى:((يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ)) أي: يفصل الله بينكم وبين أرحامكم وأولادكم كما قال تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ}[عبس:٣٤ - ٣٦].
وهذا تأويل جيد.
أما فيما يتعلق بالقراءة في قوله تعالى:((يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) فيجوز في قوله تعالى: ((يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) وجهان: الأول: أن يتعلق بما قبله أي: لن تنفعكم أرحامكم يوم القيامة، فيوقف عليه هنا، ويبتدأ بقوله:(يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ).
والوجه الثاني: أن يتعلق (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) بما بعده، أي: يفصل بينكم يوم القيامة، فيوقف على أولادكم، ويبتدأ بيوم القيامة.
وقوله:((وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) يعني: فيجازيكم عليه.