للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (فأصبحت كالصريم)]

قال تعالى: {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} [القلم:٢٠].

كالبستان الذي قطع ثمره حتى لم يبق فيه شيء.

أو: (كالصريم): كالليل الأسود لاحتراقها.

وأنشد في ذلك ابن جرير لـ أبي عمرو بن العلاء: ألا أبكرت عاذلتي تلوم تهددني وما انكشف الصريم يعني الليل.

وقال أيضاً: تطاول ليلك الجون البهيم فما ينجاب عن صبح صريم فالمقصود بالصريم الليل لأنه أسود.

قال بعض العلماء: على من حصد زرعاً أو جذ ثمرة أن يواسي منها من حضره، وذلك معنى قوله تعالى: {َ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:١٤١]، وأنه غير الزكاة.

وقال بعضهم: وعليه ترك ما أخطأه الحصادون، وكان بعض العباد يتحرون أقواتهم من هذا.

وروي أنه نهي عن الحصاد بالليل، فقيل: إنه لما ينقطع عن المساكين في ذلك من الرفق.

أي: إنما كان هذا بسبب ما أرادوه من منع المساكين، فهم نووا وجزموا وقطعوا على أنفسهم أنهم في الصباح الباكر يخرجون حتى يحصدوا الثمار قبل أن يحضر المساكين فيأكلوا ما يتساقط أثناء الحصاد مما يتقوتون به.

فإذاً العقوبة وقعت بسبب ما أرادوه من منع المساكين، كما ذكر الله تبارك وتعالى.

وروى أسباط عن السدي قال: كان قوم باليمن، وكان أبوهم رجلاً صالحاً، كان إذا بلغ ثمره أتاه المساكين فلم يمنعهم من دخلوها وأن يأكلوا منها ويتزودوا، فلما مات قال بنوه بعضهم لبعض: علام نعطي أموالنا هؤلاء المساكين؟ تعالوا فلندلج -أي: نأتي في الظلمة- فنصرمها قبل أن يعلم المساكين.

ولم يستثنوا! فانطلقوا وبعضهم يقول لبعض خفية: لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين.

فذلك قوله تعالى: ((إِذْ أَقْسَمُوا)) -أي: حلفوا- فيما بينهم (ليصرمنها مصبحين)، أي: لنجزنها وقت الصبح قبل أن تخرج المساكين.

{وَلا يَسْتَثْنُونَ}، يعني: لم يقولوا: إن شاء الله.

وقال ابن عباس: كانت تلك الجنة دون صنعاء بفرسخين، غرسها رجل من أهل الصلاح، وكان له ثلاثة بنين، وكان للمساكين كل ما تعداه المنجل فلم يجذه من الكرم، فإذا طرح على البساط فكان كل شيء سقط عن البساط فهو أيضاً للمساكين، فإذا درسوا كان لهم كل شيء انتشر، فكان أبوهم يتصدق منه على المساكين، وكان يعيش في ذلك في حياة أبيهم اليتامى والأرامل والمساكين، فلما مات أبوهم فعلوا ما ذكر الله عنهم فقالوا: قل المال وكثر العيال! فتحالفوا بينهم ليغدن غدوة قبل خروج الناس، ثم ليصرمنها ولا تعرف المساكين.

وقوله: (إذ أقسموا) يعني: حلفوا (ليصرمنها) ليقطعن ثمر نخيلهم إذا أصبحوا بسدفة من الليل، أي: بظلمة من الليل.

والصرم القطع.

يقال: صرم العذق عن النخلة وأصرم النخل: أي حان وقت صرامه.