للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (بديع السماوات والأرض)]

قال الله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة:١١٧] أي: موجدهما على غير مثال سابق، فكل كلمات الابتداع أو البدعة أو الإبداع هي للتعبير عن الشيء الذي يوجد دون أن يوجد له نظير من قبل، فالاختراع والابتداع على غير مثال سابق، فتقول مثلاً: هذا شيء بديع، يعني حسن بالغ في الحسن مبلغاً؛ بحيث أنه لم يسبقه نظيره في الجمال أو الحسن، كذلك قوله: (بديع السماوات والأرض) يعني: أنشأهما وفطرهما وخلقهما على غير مثال سابق لهما.

{وَإِذَا قَضَى أَمْرًا} [البقرة:١١٧] يعني: أراد أمراً، أي: إيجاد هذا الأمر، {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة:١١٧] بالرفع، أي: فهو يكون، وفي قراءة بالنصب جواباً للأمر.

يقول الشنقيطي رحمه الله تعالى: قوله: (قالوا اتخذ الله ولداً) هذا الولد المزعوم -على زاعمه لعائن الله- قد جاء الرد عليه مفصلاً في آيات أخر، كقوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة:٣٠]، وقوله: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} [النحل:٥٧].

وهذه الآية نحتاج إلى أن نزيدها إيضاحاً، ولذلك ننقل هنا كلام القاسمي رحمه الله تعالى: يقول: (وقالوا اتخذ الله ولداً سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون) يريد هنا الذين قالوا: المسيح ابن الله، وعزير ابن الله، والملائكة بنات الله، هؤلاء هم المقصودون بكلمة (وقالوا) بالواو، فأكذب الله تعالى جميعهم في دعواهم، وقولهم: إن لله ولداً، فقال سبحانه وتعالى: (سبحانه) أي: تقدس وتنزه عما زعموا تنزهاً بليغاً.

(بل له ما في السماوات والأرض) (بل) هنا كلمة يراد بها الإضراب عما تقتضيه مقالتهم الباطلة من مجانسته سبحانه وتعالى لشيء من المخلوقات، أي: ليس الأمر كما زعموا، بل هو خالق جميع الموجودات التي من جملتها عزير والمسيح والملائكة، فالله سبحانه وتعالى خالق هذه الموجودات بمن فيها هؤلاء الذين زعموا أنهم أولاد الله أو بنات الله، فهو خالقهم وهو مالكهم، وهو ربهم سبحانه وتعالى.

وقوله: (كل له قانتون)، التنوين في كلمة (كل) عوض عن الاسم الذي يكون مضافاً إليه، كما تقول مثلاً: كل رجل قائم، فبدل أن تكرر كلمة رجل تضع تنويناً في (كل) فينوب عن كلمة رجل، فتقول: كلٌ قائم، فالتنوين الذي يلحق كلمة كل هو تنوين التعويض عن المضاف إليه، فكذلك هنا (كل له قانتون) أي: كل ما فيهما.