[تفسير قوله تعالى:(ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله)]
أشار تعالى إلى منته في إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم والإعذار ببعثته بقوله:{وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى}[طه:١٣٤].
((وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ)) أي: من قبل إتيان البينة، أو: من قبل محمد عليه الصلاة والسلام، يعني: لو أن الله أنزل عليهم العذاب قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام، لقالوا: ربنا كيف عذبتنا؟ لولا أرسلت إلينا رسولاً لترى هل نطيعه أم لا؟ لماذا عذبتنا قبل أن ترسل إلينا رسولاً وتقيم علينا الحجة؟ الله سبحانه وتعالى يقول لهم: قد جاءتكم الحجة، وقد جاءتكم المعجزة والدليل على صدق هذا النبي:((وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ)) أي: من قبل البينة أو من قبل محمد عليه الصلاة والسلام ((لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ)) أي: من عذاب دنيوي ((وَنَخْزَى)) أي: من عذاب أخروي؛ أي: ولكنا لم نهلكهم قبل إتيانها، فلم يحصل أننا أهلكناهم قبل إتيان الآية والبينة؛ فانقطعت معذرتهم؛ لأن الله أرسل إليهم الرسول بالفعل ولم يهلكهم قبل أن يرسل الرسول.
فانقطعت معذرتهم، ولذلك عندما يسألون: أما جاءتكم الرسل والنذر؟ {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ}[الملك:٨]{قَالُوا بَلَى}[الملك:٩] فيقرون: {قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ}[الملك:٩].
يقول الشنقيطي رحمه الله تعالى في قوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى}، هذه الآية تشير إلى معناها آية القصص في قوله تعالى:{وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[القصص:٤٧]، فهذه الحجة التي يحتجون بها لو لم يأتهم نذير، هي المذكورة في قوله تبارك وتعالى:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء:١٦٥] يعني: قبل الرسل تكون لهم هذه الحجة، ويقولون:{رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا}[القصص:٤٧]، لكن بعد الرسل قد قامت عليهم الحجة، كما قال تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}[الإسراء:١٥]، ويقول تعالى:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء:١٦٥].
قال تعالى:{قُلْ}[طه:١٣٥] أي: لأولئك الكفرة المتمردين، {قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ}[طه:١٣٥] كل منا ومنكم ((مُتَرَبِّصٌ)) أي: منتظر لما يئول إليه أمرنا وأمركم {فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ}[طه:١٣٥]، عما قريب، {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ}[طه:١٣٥] المستقيم {وَمَنِ اهْتَدَى}[طه:١٣٥] أي: من الزيغ والضلال، أي: هل هو النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه أم هم وأتباعهم؛ وقد حقق الله وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده؛ فلله الحمد في الأولى والآخرة.
((قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا))، أمر جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة أن يقول للكفار الذين يقترحون الآيات عليه عناداً وتعنتاً: كل منا ومنكم ((مُتَرَبِّصٌ))، أي: منتظر ما يحل بالآخر من الزواجر كالموت والغلبة.
وقد أوضح في غير هذا الموضع أن ما ينتظره النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمسلمون كله خير، بعكس ما ينتظره ويتربص الكفار، كقوله تعالى:{قُلْ هَلْ تَربَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ}[التوبة:٥٢]، الشهادة أو النصر {إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ}[التوبة:٥٢]، وقال تعالى:{وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ}[التوبة:٩٨]، إلى غير ذلك من الآيات.