هذه الآية تعتبر عمدة رائد الخوارج المعاصرين شكري مصطفى صاحب بدعة التوقف والتبين، فإنه لسوء فهمه وتحريف معاني كلام الله سبحانه وتعالى بنى مذهبه على فهمه الضال لهذه الآية الكريمة وأخواتها، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: أنا ألتزم أنه لا يحتج مبطل بآية أو حديث ليستدل به على ما ذهب إليه، إلا وكان في نفس الآية والحديث ما يدل على نقيض ما ذهب إليه.
فكل إنسان مبتدع أو ضال يستدل بآية من القرآن أو بحديث من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام؛ ليؤكد به بدعته وضلالته، فيشاء الله سبحانه وتعالى أن يكون في نفس هذا الدليل رد عليه وإبطال نفس هذه البدعة، ونظائر ذلك كثير جداً.
فهو إذاً أتى ببدعة التوقف والتبين، وخلط خلطاً عجيباً في الكلام في هذا الموضوع، فهو يقول: إن الناس الآن اختلط بعضهم ببعض وهم مشتركون في المظهر، هذا يسلم وهذا يسلم هذا يصلي وذاك يصلي، لكن حقيقة ما في باطن هؤلاء الناس وموقفهم الحقيقي من التوحيد ومن الإسلام يحتاج للاختبار والتبين، فنحن نتوقف عن الحكم بإسلام الشخص مهما أظهر من شعائر الإسلام في هذا المجتمع إلى أن نتبين هل هو مسلم أم غير مسلم؟! ووضع حداً وسماه: الحد الأدنى للإسلام، واعتبر الحد الأدنى للإسلام إقامة الفرائض، وخلط في ذلك خلطاً شديداً، وكان يكثر من ضرب المثل بالحرير الصناعي والحرير الطبيعي مبيناً أن الاثنين في الظاهر ملمسهما واحد لكن في الحقيقة هذا يختلف عن هذا.
وهل من العقل أن الإنسان إذا أراد أن يقارن شيئاً بشيء فإنه يأتي بأوجه الشبه؟ لا، حتى الذي يدرس أي علم من العلوم ويعمل مقارنة بين شيئين، فإنه في هذه المقارنة يذكر وجوه الافتراق لا وجوه الشبه، كذلك أنت عندما تأتي لتفرق بين المسلم والكافر أتقول: هذا يصلي وهذا يصلي، وهذا يصوم وهذا يصوم، وغير ذلك من شعائر الإسلام بزعمه؟! لا، وإنما لما تأتي تقارن تأتي بوجوه الافتراق وليس بوجوه الاتفاق، فالمسلم يقول: لا إله إلا الله، والكافر لا يقول: لا إله إلا الله المسلم يلقي السلام المسلم يصلي المسلم يزكي، وهكذا، والكافر لا يفعل هذه الأشياء!! أما هذا فجعل كل الناس في المجتمع الأصل فيهم أنهم كفرة مهما أظهروا من الإسلام.
وخطورة هذه البدعة لم تقف عند حد الترف الفكري، وإنما انتقلت إلى ما هو أكبر وهو التطبيق العملي، واستحلال دماء المخالفين بصورة بشعة جداً، تماماً كما كانت صفة الخوارج الذين يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان.
فهنا في نفس هذه الآية ما يدل على بطلان ما ذهبوا إليه:((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا)) فيفهم من الآية أن نثبت له صفة الإيمان وأحكام الإيمان.
ثم انظر إلى قوله تعالى:((كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا)) أي: كنتم مستضعفين قبل ذلك وتكتمون إيمانكم أيضاً، أليس هذا كله في حق المؤمنين، أم في حق الكافرين؟! في الحقيقة الكلام يطول في هذا وأعتقد أننا قد غطينا قضية التوقف والتبين من قبل في سلسلة بحوث الكفر والإيمان.
فليس هناك شيء في الإسلام أن مسلماً ما متوقف في وصفه بأنه مسلم أو غير مسلم.