قال تعالى:{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً}[النبأ:٣٨].
(يوم يقوم الروح) أي: جبريل عليه السلام، وهو المعبر عنه بروح القدس في آية أخرى، وفيه أقوال أُخر نقلها ابن جرير وما ذكرناه أصوبها، والتنزيل يفسر بعضه بعضاً، والقرآن دل على أن هذا هو اسم جبريل عليه السلام.
فثبت أن القيام صحيح من جبريل والكلام صحيح منه، ويصح أن يؤذن له، فكيف يصرف هذا الاسم عنه إلى خلق لا نعرفه، أو إلى القرآن الذي لا يصح وصفه بالقيام؛ لأن بعض الناس قالوا: الروح هو القرآن؛ لأن من أسمائه الروح قال تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا}[الشورى:٥٢] لكن هل يليق هنا أن يكون بالروح القرآن؟! هذا لا ينبغي، لأنه ذكر القيام.
فقوله:(يوم يقوم الروح) كقوله: ((تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر:٤] فهذا من باب عطف الخاص على العام، أما في هذه السورة: (يوم يقوم الروح والملائكة صفا) فهو من عطف العام على الخاص.
وقال تعالى:{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ}[النحل:١٠٢] والقيام يصح من جبريل، والكلام يصح من جبريل، فيصح أيضاً أن يؤذن له.
(والملائكة صفاً) أي: صافين في مراتبهم، كما قال تعالى:{وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}[الصافات:١٦٤ - ١٦٥].
قال الرازي: يحتمل أن يكون المعنى صفاً واحداً، ويحتمل أنهم صفان، ويجوز صفوفاً، والصف في الأصل مصدر، لأن المصدر المنكَّر قد يكون حالاً، قال في الخلاصة: ومصدر منكر حالاً يقع بكثرة كبغتة زيد طلع فينبئ عن الواحد والجمع، ورجح بعضهم الأخير لقوله تعالى:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً}[الفجر:٢٢] وقال تعالى: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً}[الكهف:٤٨].
{لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} أي: لا يتكلمون في الشفاعة، كقوله:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}[البقرة:٢٥٥] والضمير يعود على الملائكة، وقد يعم كقوله:{يوم يأت لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}[هود:١٠٥].
وقال الزمخشري: هنا طريقتان: أولاً: أن يكون المتكلم منهم مأذوناً له في الكلام، ثانياً: وأن يتكلم بالصواب، فلا يشفع لغير مرتضى، لقوله تعالى:{وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى}[الأنبياء:٢٨].