((وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة)) أي: لئلا يستلفت دخولهم من باب واحد أنظار من يقف عليه من الجند فيريب بهم؛ لأن دخول قوم على شكل واحد وزي متحد على بلد هم غرباء عنه مما يلفت نظر كل راصد، هذا من التلطف المشار إليه في قوله تعالى:{وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا}[الكهف:١٩] التلطف والحذر ينبغي أن يكون سمة للمؤمن، وكانت المدن وقتئذ مبوبة لا ينفذ إليها إلا من أبوابها، وكانت جميع المدن تقريباً تحصن بالأسوار، مثلاً: الإسكندرية كانت مسورة بالسور الذي لا تزال آثاره موجودة في الشلالات، هذا السور الذي بناه عمرو بن العاص رضي الله عنه.
فكل مدينة كانت مسورة بسور يحميها ولا ينفذ إليها إلا من باب المدينة، وعلى كل باب حرس، وليس دخول الفرد كدخول الجمع في التنبه وإتباع البصر.
وقيل: نهاهم لئلا تصيبهم العين إذا دخلوا كوكبة واحدة.
قوله:((وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ)) أي: لا أدفع عنكم شيئاً مما قضي عليكم؛ فإن الحذر لا يمنع القدر.
ولم يرد به عليه السلام إلغاء الحذر بالمرة، كيف وقد قال عز وجل:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة:١٩٥] وقال: {خُذُوا حِذْرَكُمْ}[النساء:٧١] بل أراد بيان أن ما وصاهم به ليس مما يستوجب المراد لا محالة، بل هو تدبير في الجملة، وإنما التأثير وترتيب المنفعة عليه من العزيز القدير، وأن ذلك ليس بمدافعة للقدر، بل هو استعانة بالله تعالى وهروب منه إليه.
((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)) أي: لا يشاركه أحد ولا يمانعه شيء.