للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المقصود بالحشر هنا]

قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر:٢].

أشار الله تبارك وتعالى بعدما وصف نفسه بقوله: ((وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) إلى بيان بعض آثار عزته تعالى، وإحكام قسمته، وذلك إثْرَ وصفه بالعزة القاهرة، والحكمة الباهرة على الإطلاق، فهو العزيز الحكيم، فبيّن وفصّل آثار هذه العزة والحكمة، فقال: ((هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)) يعني: بني النضير من اليهود، ((مِنْ دِيَارِهِمْ)) أي: من مساكنهم التي جاورا بها المسلمين حول المدينة؛ لطفاً بالمسلمين.

وقوله: ((لِأَوَّلِ الْحَشْرِ)) يقول القاسمي: أي: لأول الجمْع؛ لقتالهم، يعني: أن الله سبحانه وتعالى أخرجهم بقهره لأول الحشر، فكأن القاسمي ينتحي منحى من ذهب إلى أن أول الحشر هنا توقيت زماني، وقال بعض المفسرين: إنه حشر مكاني، وأنه يقصد به الأحساء أو غير ذلك كما سيأتي، فـ القاسمي يرى أن أول الحشر توقيت زماني، والتوقيت به إشارة إلى شدة الأخذ الرباني لهم، وقوة البطش والانتقام بقذف الرعب في قلوبهم، حتى اضطروا في أول الهجوم عليهم إلى الجلاء والفرار، فأول ما حشر وجمع الجيش الإسلامي لمواجهتهم لم يحتج الأمر إلى حشر ثانٍ وثالث، بل قذف الرعب في قلوبهم، ففروا وهربوا، هذا هو الذي اختاره العلامة القاسمي رحمه الله تعالى.

وأما القرطبي فيقول: إن ((الْحَشْرِ)): هو الجمع، وهو على أربعة أوجه: حشران في الدنيا، وحشران في الآخرة.

فأما اللذان في الدنيا: فالأول: حشرهم للقتل، كقوله تعالى: ((هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) قال الزهري: كانوا من سبط لم يصبهم جلاء، وكان الله عز وجل قد كتب عليهم الجلاء، فلولا ذلك لعذبهم في الدنيا، وكان أول حشر حشروه في الدنيا إلى الشام، وقال ابن عباس وعكرمة: من شك أن المحشر في الشام فليقرأ هذه الآية، يعني: ((لِأَوَّلِ الْحَشْرِ)) أي: لأول مكان يحصل منه حشر الناس يوم القيامة.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (اخرجوا، قالوا: إلى أين؟ قال: إلى أرض المحشر).

قال قتادة: هذا أول المحشر، وقال ابن عباس: هم أول من حشر من أهل الكتاب وأخرج من ديارهم.

وقيل: إنهم أخرجوا إلى خيبر، وأن معنى: (لأول الحشر) إخراجهم من حصونهم إلى خيبر، وآخره: إخراج عمر رضي الله تعالى عنه إياهم من خيبر إلى نجد وأذرعاء، وقيل: شيما وأريحاء -وأريحاء ما زالت تسمى إلى الآن أريحاء-؛ وذلك لكفرهم، ونقضهم عهدهم.

وأما الحشر الثاني: فحشرهم قرب القيامة، قال قتادة: تأتي نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، وتأكل منهم من تخلف.

وهذا ثابت في الصحيح.

وقال ابن وهب لـ مالك: هو جلاؤهم من ديارهم، فقال لي: الحشر يوم القيامة حشر اليهود، قال: وأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى خيبر حين سئلوا عن المال فكتموه، فاستحلهم بذلك.

وقال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى: في الحشر أولٌ ووسطٌ وآخر.

فالأول: إجلاء بني النضير، والأوسط: إجلاء خيبر، والآخر: حشر يوم القيامة.

وفصّل ذلك أيضاً الشيخ عطية سالم رحمه الله تعالى -وقد توفي في عام الحزن، وذلك في السنة الماضية التي شهدت وفاة جمع كبير من العلماء وأهل الخير- فيقول رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: ((هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ)): أجمع المفسرون أنها في بني النضير، إلا قولاً للحسن إنها في بني قريظة، ورُدَّ هذا القول: بأن بني قريظة لم يخرجوا ولم يجلوا، ولكن قتلوا.

ويسمي الناس هذه السورة بسورة بني النضير.