قوله:(قل أغير الله أبغي رباً) يعني: فأشركه في عبادته، وهو جواب عن دعائهم له عليه الصلاة والسلام إلى عبادة آلهتهم، حيث يفهم من ذلك أنهم عرضوا عليه أن يشاركهم في عبادة آلهتهم، ودعوه إلى ما هم عليه من الشرك، فجاء الجواب عليهم:(قل أغير الله أبغي رباً)، أي: هل يصلح أن أبغي رباً غير الله سبحانه وتعالى كما تدعونني؟ وفي إيثار نفي البغية والطلب على نفي العبادة أبلغية لا تخفى، أي: أنه لا يفكر في مجرد أنه يطلب رباً أو يبغي رباً فضلاً عن أن يعبد هذا الرب.
فقوله:(قل أغير الله أبغي) يعني: أطلب رباً، ولم يقل: قل أغير الله أعبد رباً، أي: أن مجرد أن يتطلع إلى رب غير الله غير وارد، ولا شك في أن هذا من الأساليب البلاغية الرفيعة، فمجرد أنه يفكر في إله غير الله أمر مرفوض، فكيف يعبد غير الله؟! وقوله:(وهو رب كل شيء) أي: وكل ما سواه مربوب، يعني: مهما تدعونني لعبادة أي إله تدعونني إليه فهو مربوب لله ومخلوق، والذي خلق هذا الإله هو الله سبحانه وتعالى، فكيف أعدل عن عبادة الرب الخالق إلى عبادة المربوبين؟! وكيف أعبد مخلوقاً؟ وقوله:(وهو رب كل شيء) حال في موضع العلة للإنكار والتدليل على هذا الإنكار.
وقوله:(أغير الله) أي: وكل ما سواه مربوب مثلي لا يصلح للربوبية، فلن أكون عبداً لعبده، قال ابن كثير: أي: فلا أتوكل إلا عليه، ولا أنيب إلا إليه؛ لأنه رب كل شيء ومليكه، وله الخلق والأمر.
ففي هذه الآية الأمر بإخلاص العبادة والتوكل، كما تضمنت الآية التي قبلها إخلاص العبادة لله تعالى لا شريك له، وهذا المعنى يقرن بالآخر كثيراً، كقوله تعالى مرشداً عباده إلى أن يقولوا:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة:٥].