وهناك حالات للجهر لا يتناولها النهي باتفاق العلماء، مثل أن يكونوا في حرب، أو في مجادلة معاند، أو في إرهاب عدو، أو ما أشبه ذلك مما لا يتخيل منه تأذ واستهانة، قال صلى الله عليه وسلم للعباس لما ولى المسلمون يوم حنين:(ناد أصحاب السمرة)، وكان العباس جهوري الصوت، فنادى بأعلى صوته، مع أنه كان في حضرة النبي عليه الصلاة والسلام، لكن هل هذا يدخل في قوله:((وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ))؟ لا، لأن هذه حالة جهاد وقتال، ومطلوب فيها رفع الصوت من أجل تجميع الجيش الذي تبدد وتفرق.
والسمرة هي الشجرة التي بايعوا تحتها، وكان رجلاً صيتاً، يروى أن غارة أتتهم يوماً فصاح العباس: يا صباحاه! فأسقطت الحوامل من شدة صوته، وفيه يقول نابغة بني جعد: زجر أبي عروة السباع إذا أشفق أن يختلطن بالغنم أبو عروة كنية العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذلك أنه زعمت الرواة أن العباس كان يزجر السباع عن الغنم فتنفجر مرارة السبع في جوفه من قوة صوت العباس رضي الله تعالى عنه، لكن كيف لا تفتق مرارة الغنم؟ قيل: لأنها ألفت صوته، لأنه مع الغنم دائماً فتعودت على الصوت، أما السباع فكان يحصل ذلك لها فجأة، والله أعلم من صحة ذلك.
المقصود: أن رفع الصوت هو من جنس ما يحصل به الإيذاء، وهذا أمر يشهد به النقل والمشاهدة، حتى أن الشيخ ليتأذى برفع التلميذ صوته بين يديه، فكيف برتبة النبوة وما تستحقه من الإجلال والإعظام! ثانياً: نقول: إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم كفر، وهذا أمر ثابت قد نص عليه الأئمة، وأفتوا بقتل من تعرض لذلك كفراً، ولا تقبل توبته، فما أتاه أعظم عند الله وأكبر.