[تأثير البيئة على التوجه الشخصي إذا لم توجد عقيدة]
وفي ذلك إشارة إلى قوله تبارك وتعالى:{لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ}[الأنبياء:١٠]، وأيضاً فهناك عوامل كثيرة تؤثر على الإنسان وعلى توجهه، ومن هذه العوامل عامل البيئة المحيطة بالإنسان، ودليله قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).
فالإنسان يتأثر بالبيئة من حوله، وهي مما يجعله ينحرف عن فطرة الإسلام.
ولا يدفع تأثير البيئة إلا عامل أقوى من كل العوامل، وهو عامل العقيدة، فإذا وجدت العقيدة فهي التي تطغى على تأثير البيئة.
فالعقيدة هي التي تحول الأمم والأفراد من حال إلى حال مغاير تماماً، وآية ذلك العرب مع الإسلام، فقد قال عمر رضي الله تعالى عنه:(إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين، فمهما نبتغي العزة بغيره أذلنا الله سبحانه وتعالى)، فالمنطقة التي كان يسكنها العرب منطقة متخلفة جاهلة في ذيل الأمم كسولة إلى آخر ما شئت من هذه الصفات.
فلا يقوى على رفع تأثير البيئة إلا العقيدة، فإذا زالت العقيدة رجع تأثير البيئة من جديد، وهذا هو الوضع الذي نعيشه الآن؛ فالوضع الذي نعيشه الآن أننا في مؤخرة الأمم، حتى إن هتلر وضع العرب قبل اليهود، واعتبر اليهود أخس الأمم، لكن قبلهم مباشرة وضع العرب! ونحن لا نقول: إننا معشر العرب أخس من الأمم الأخرى، بمعنى: أن لا خير فينا، فالحمد لله نحن مسلمون، ولكن اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أنه كما أنعم علينا بنعمة الإسلام، ولم يجعل لنا سبباً إلى العز والنصر والتمكين إلا هذا الدين وهذا القرآن، فإذا كفرنا بنعمة الله فمن عدله سبحانه وتعالى أن يعاقبنا بأن يسلط علينا أخس الأمم، وأن نعود من جديد إلى تأثير البيئة، فهذه البيئة هذه طبيعتها، بخلاف البيئات الباردة؛ حيث طبيعة الناس أنه إذا لم يحصل نوع من النشاط والحركة والجدية في الحياة فإن الثلوج تدهمهم، أعني أن طبيعة الحياة وطبيعة البيئة في البلاد الأخرى تجعل الناس في حالة يقظة ونهضة وتقدم مستمر.
أما نحن إذا تركنا الإسلام فإننا سوف نرجع للوضع الذي كنا عليه من قبل، ولا يزول عنا الذل إلا بالإسلام.
وهذه الحقيقة الآن يعرفها الكفار أنفسهم قبل المسلمين، ولذلك هم حريصون دائماً على فصلنا عن الإسلام، وإلهائنا بعقائد غريبة جاءت بإفساد الأخلاق، وبإثارة الشبهات، ويحاولون إشغالنا بكل ما يلهينا عن هذه العقيدة؛ لأنهم يعلمون جيداً أن المسلمين إذا رجعوا إلى عقيدتهم سيكونون أقوى قوة على ظهر الأرض؛ لأن الذي نحن فيه من التخلف ليس ناشئاً عن تخلف عقلي، ولله الحمد، فالمسلمون عندهم كل الطاقات، حتى الطاقات النووية، فهناك قدرات تمتلكها الشعوب الإسلامية، ويكفي فقط الجمهوريات التي استقلت عن الاتحاد السوفيتتي، فأغلبها عندها الطاقة النووية أو القوة النووية، والموارد الطبيعية، والعدد البشري الهائل، فالأمة الإسلامية وجميع الدول الإسلامية إذا توحدت فإن أمريكا بجوارها ستكون صفراً، ولا أقول: صفراً بالضبط، ولكن قطعاً سيكونون أقوى من أمريكا.
فالتخلف الذي نحن فيه هو في جزء كبير منه تخلف مفروض علينا، حيث يحرم علينا نوع معين من التكنولوجيا حتى لا نتقدم، وتحرم علينا حتى محاولة الأخذ بأي أسباب القوة، في الوقت تكون حلالاً لأعداء الله اليهود، ويكفي أن نعلم ذلك في قضية هذه الصواريخ البسيطة التي من أجلها أقامت أمريكا الدنيا ولم تقعدها، وواضح أنها كانت صفقة مع كوريا الشمالية، ولكن أمريكا لم تستح من أن تعلن أنها ستفرض عقوبات اقتصادية على مصر بسبب شرائها هذه الصواريخ، ومع ذلك فقد تكفلوا بأن يحتفظوا بالتفوق العسكري لليهود لعنهم الله سبحانه وتعالى.
فالشاهد من هذا الكلام: أن التخلف الذي نحن فيه هو تخلف مفروض علينا في جزء كبير منه.