للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معاني كلمة (الفتح)]

سورة الفتح سميت بهذا لدلالتها على فتح البلاد والحجج والمعجزات والحقائق، وهذا كله من معاني الفتح، وقد ترتب على كل واحد منها المغفرة، وإتمام النعمة، والهداية، والنصر العزيز، وكل هذه أمور جليلة.

وآيها تسع وعشرون آية، وهي سورة مدنية، أي أنها نزلت بعد الهجرة بغض النظر عن المكان الذي نزلت فيه.

فهذه السورة مدنية، فإنها نزلت مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية سنة ست من الهجرة عدة له بالفتح، قال أنس: لما رجعنا من الحديبية، وقد حيل بيننا وبين نسكنا، فنحن بين الحزن والكآبة، نزلت يعني: هذه السورة.

واختلف في المكان الذي نزلت فيه، فوقع عند محمد بن سعد أنها نزلت في مكان اسمه ضجنان، وعند الحاكم في الإكليل بكراع الغميم، وعن أبي معشر: أنها نزلت بالجحفة، والأماكن الثلاثة متقاربة.

وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في بعض أسفاره لـ عمر: (لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، يعني: سورة الفتح)، وهذا الحديث يدل على أن هذه السورة نزلت في الليل.

وأخرج البخاري عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: (قرأ النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة سورة الفتح فرجّع فيها).

و (الفتح) يأتي بمعنى: أن يفتح المغلق، وهذا مشهور كما قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر:٧٣].

والفتح يأتي بمعنى: النصر، كما قال تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ} [النساء:١٤١]، وقال تعالى: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} [المائدة:٥٢]؛ لأن النصر يفتح الله به أمراً مغلقاً.

والفتح يأتي بمعنى: القضاء؛ لأن القضاء فصل للأمور، وفتح لما أشكل منها، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ} [السجدة:٢٨ - ٢٩]، يوم الفتح هو يوم القيامة، يعني: يوم القيامة لا ينفع الذين كفروا إيمانهم، فسمي يوم القيامة بيوم الفتح؛ لأنه يقضى فيه بين العباد، ويفصل فيه بينهم، وبعض المفسرين قالوا: {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ} [السجدة:٢٩]، أراد به فتح مكة؛ لأنه يوم لا ينفع الذين كفروا إيمانهم؛ لأنهم في هذه الحالة إذا آمنوا بعدما تغلب المسلمون عليهم سيكون إيمانهم خوفاً من السيف، وليس إيماناً نابعاً من قلوبهم.

وقال الله عز وجل: {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} [سبأ:٢٦] يعني: يقضي بيننا بالحق {وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف:٨٩] أي: خير القضاة.

قال أعرابي لآخر ينازعه: بيني وبينك الفتاح يعني: بيني وبينك الحاكم؛ لأنه يقضي ويفصل في الأمور.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:١] قال: كنت أقرؤها ولا أدري ما هي حتى تزوجت بنت مشرح فقالت: فتح الله بيني وبينك يعني: حكم الله بيني وبينك.