للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً سلاماً)

قال تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا} [الواقعة:٢٥ - ٢٦].

{لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا} أي: هذياناً وكلاماً غير مفيد، وباطلاً من القول.

{وَلا تَأْثِيمًا} أي: ما يؤثم من الفحش والكذب والغيبة وأمثالها.

{إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا} أي: قولاً هو سلام في نفسه، منزه عن النقائص، مبرأ عن الفضول والزوائد.

وقيل: قولاً يفيد سلامة السامع من العيوب والنقائص، ويوجب سروره وكرامته، ويبين كماله وبهجته؛ لكون كلامهم كله معارف وحقائق وتحيات ولطائف.

وهذا على اختلاف وجهي الإعراب، أي: من كون (سلاماً) بدلاً من (قيلاً) أو مفعوله، فـ (سلاماً) قد يكون مفعول المصدر (قيلا)، وقد يكون بدلاً منه.

والتكرير للدلالة على فشو السلام بينهم وكثرته، كما تقول: قرأت النحو باباً بابا.

أي: باباً بعد باب، فيدل على تكرره وكثرته.

فهكذا السلام تحية أهل الجنة، وهذه من فضائل السلام، ولا توجد في العالم كله تحية هي أفضل من تحية (السلام عليكم ورحمة الله) التي شرف الله بها أهل الإسلام، ولذلك يحسدنا اليهود على السلام وعلى التأمين، وكان الفاسق أو الفاجر أو المبتدع فيما مضى يعاقب بأن يحرم من إلقاء السلام عليه، أو من أن يرد عليه السلام، والآن صار بعض السفهاء من الناس يتكبرون عن أن يحيي بعضهم بعضاً بالسلام، ويؤثرون على ذلك تحية الأنجاس من المشركين والكفار على اختلاف أنواعهم، وربما ينظرون باحتقار إلى من يقول لهم: (السلام عليكم)، فهذا من الهوان الذي صبغ الناس وهم لا يشعرون بما هم فيه.

فعدم التسليم كان عقوبة أساساً، عقوبة يعاقب بها من يخالف الشرع بالمجاهرة بالفسق، أو ببدعة أو ضلالة أو نحو ذلك، فيهجر بأن لا يسلم عليه.

وصار بعض الناس يتأذى حين تسلم عليه، ويريد أن تحييه بأية تحية أخرى من تحايا أولئك القوم، فهم الذين زهدوا فيما شرفهم الله به من تحية أهل الجنة -السلام-، فهل توجد تحية في العالم أفضل من تحية (السلام عليكم)؟! فـ (السلام عليكم) فيها إشاعة السلام والطمأنينة، فكونك تلقي السلام معناه أنك تؤمنه من شَرِّك.

وليس السلام محدداً بوقت كـ (صباح الخير) أو (مساء الخير) في الصباح فقط أو في المساء فقط، كما هي تحية الجاهلية (أنعم صباحاً) و (أنعم مساء)، فهذه تحية أهل الجاهلية، فكيف لعاقل أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، ويزهد في السلام الذي هو تحية أهل الجنة؛ راغباً في تحية المغضوب عليهم والضالين ممن أبغضهم الله سبحانه وتعالى؟!