((قال لو أن لي بكم قوة)) أي: لو كنت أستطيع أن أدفعكم وأقاتلكم جميعاً ببدني، أو عندي أولاد كثيرون أستطيع أن أدفعكم بهم، ما كنت قصرت في دفعكم.
((أو آوي إلى ركن شديد)) أي: عشيرة كثيرة؛ لأنه كان غريباً عن قومه عليه السلام، فشبه القبيلة والعشيرة بركن الجبل في الشدة والمنعة.
وتقدير
الجواب
لو أن لي بكم قوة بنفسي أو بولدي أو كان لي قبيلة عزيزة منيعة لفعلت بكم ما فعلت وصنعت ما صنعت، ولكففتكم عما تريدون.
قال الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى في الملل: ظن بعض الفرق أن ما جاء في الحديث الصحيح الذي في البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد)، إنكار على لوط عليه السلام بقوله:((أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ))، ولا تخالف بين القولين بل كلاهما حق؛ لأن لوطاً عليه السلام إنما أراد منعة عاجلة يمنع بها قومه مما هم عليه من الفواحش، من قرابة أو عشيرة أو أتباع مؤمنين، وما جهل قط لوط عليه السلام أنه يأوي من ربه تعالى إلى آكد قوة وأشد ركن، ولا جناح على لوط عليه السلام في طلب قوة من الناس؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال:{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ}[البقرة:٢٥١].
فهذا هو الذي طلبه لوط عليه السلام، فكونه يستغيث أو يستنجد ببشر فيما يقوى عليه البشر، لا حرج فيه شرعاً؛ لأن هذا من دفع الله الناس بعضهم ببعض.
وقد طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار والمهاجرين منعه وحمايته حتى يبلغ كلام ربه تعالى:(من يؤويني؟ من ينصرني؟ حتى أبلغ رسالة ربي)، فكيف ينكر على لوط أمراً فعله هو صلى الله عليه وسلم؟ إذاً ليس المقصود من الحديث الإنكار على لوط عليه السلام، وإنما أخبر أن لوطاً كان يأوي إلى ركن شديد من نصر الله له بالملائكة، ولم يكن لوط علم بذلك، أي: لم يكن قد شعر أن الملائكة في هذه اللحظة ما جاءت إلا لتنصره، وما جاءت إلا لتنتقم منهم بأمر الله.
ثم يقول ابن حزم رحمه الله تعالى: ومن اعتقد أن لوطاً كان يعتقد أنه ليس له من الله ركن شديد فقد كفر، إذ نسب إلى نبي من الأنبياء هذا الكفر، وهذا أيضاً ظن سخيف، إذ من الممتنع أن يظن بربه -الذي أراه المعجزات وهو دائماً يدعو إليه- هذا الظن.