قوله تعالى:(لا ريب فيه) يعني: لا شك فيه، ريب مصدر رابني، والريب: هو قلق النفس واضطرابها، وقد تستعمل كلمة ريب في الشك مطلقاً، أو مع تهمة، كحديث:(دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، فمعنى قوله:(لا ريب فيه) يعني: لا ريب ولا شك في أنه نزل من عند الله تبارك وتعالى.
والعرب مع بلوغهم النهاية في الفصاحة عجزوا عن معارضة أقصر سورة منه، وقد بلغت حجته في الظهور إلى درجة لا يمكن للعاقل الذي يعي ويفهم أن يرتاب في القرآن، لكن العقل الذي فيه آفة وفيه مرض فهذا هو الذي يرتاب؛ لأن الواقع أن الكفار يرتابون في القرآن.
فالمقصود أن العاقل الذي يعي ويفهم آيات الله ويتدبر لا يقع أبداً في هذا الريب.
قال بعض العلماء:(لا ريب فيه): هذا خبر بمعنى النهي، يعني: لا ترتابوا فيه، فهذا الخبر المراد به الإنشاء، يعني: لا ترتابوا فيه.
ومن القراء من يقف على (ريب) يعني: يقرأ: (ذلك الكتاب لا ريب.
فيه هدىً للمتقين) يعني: ذلك الكتاب لا شك، ثم يقرأ (فيه هدىً للمتقين) فأيهما أولى: أن نقول: (ذلك الكتاب لا ريب) أم أن نقول: (ذلك الكتاب لا ريب فيه.
هدىً للمتقين).
لو قلت:(ذلك الكتاب لا ريب فيه) يعني: لا شك فيه أنه منزل من عند الله، وهذا أقوى من أن تقول:(فيه هدى)، ولذلك قال العلماء: الوقف على قوله تعالى: {لا رَيْبَ فِيهِ}[البقرة:٢]، أولى؛ لقوله تعالى:{الم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[السجدة:١ - ٢].
ولأنه يصير قوله:(هدى) صفة للقرآن كله، وذلك أبلغ من كونه فيه هدى، فالأول يدل على أنه كله هدىً للمتقين.
يقول:(لا ريب) لا شك فيه أنه من عند الله، وجملة النفي خبر مبتدؤه (ذلك)، والإشارة للتعظيم، (هدىً) خبر ثان، أي:(ذلك الكتاب لا ريب فيه) هذا الخبر الأول، (هدىً للمتقين) خبر ثان.