وروى أبو داود عن معاوية رضي الله تعالى عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم)، فقال أبو الدرداء رضي الله عنه: كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله بها! وهذه الملامح تعتبر سياسة شرعية حكيمة، وفي معناها حديث آخر:(إن الإمام إذا ابتغى الريبة في الرعية أفسدهم)، يعني: لا ينبغي أن تعامل من تعامله مثل معاملة هذا الإمام لرعيته، سواء الرجل مع أبنائه، أو مع زوجته، أو الزوجة مع زوجها، فينبغي أن يكون هناك زرع للثقة في التعامل، لكن إن كان التعامل مبنياً على الظن السيئ والتجسس، فربما عوقب الإنسان بما يكرهه.
فلو أن رجلاً يتعامل مع ابنه على أساس سوء الظن، فيتتبعه في الطرقات، ويتجسس عليه، ويفتش أوراقه، فهذه الأشياء كلها إن كان يفعلها على سبيل أنه لا يثق فيه وأنه يشك فيه ويرتاب؛ فهذا يزرع عند هذا الشاب عدم الهيبة والتوقير له.
ولكن كلما كانت النصيحة غير مباشرة كانت أوقع، فبعض الناس قد يقول: كيف تقول: ينصحه نصيحة غير مباشرة؟ وأقول: هذا هو أدب النبي عليه الصلاة والسلام، فقد كان إذا أراد أن يوبخ أحداً على شيء لا يخاطبه باسمه، وإنما كان يصعد على المنبر ويقول:(ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا؟!)، ولا يسمي بالأسماء؛ لأنه يريد النصيحة لا الإفساد.
فكذلك كلما كانت النصيحة غير مباشرة كان ذلك أعون على تقبلها.
وكذلك نهى النبي عليه الصلاة والسلام الرجل إذا كان مسافراً ولا يعلم موعد رجوعه من السفر أن يطرق أهله ليلاً؛ لأن ذلك تجسس وشك، فالرسول عليه الصلاة والسلام سد هذه الذرائع المؤدية إلى إساءة الظن، وأمر أن تبنى العلاقات على الثقة، وإذا خالف الإنسان هذا الأدب وهذه السياسة الشرعية فسيعاقب بأن يرى ما يسوءه كما في الأحاديث.
معاوية من أعظم الناس سيادة، وكان سياسياً حاسماً إلى أعلى الدرجات.
فهو رضي الله عنه كان من أسود العرب وكان حكيماً جداً في سياسته وفي حكمه رضي الله تعالى عنه؛ ولذلك استفاد من هذا الحديث.
وروى الإمام أحمد عن جديل كاتب عقبة قال: قلت لـ عقبة: إن لنا جيراناً يشربون الخمر وأنا داع لهم الشرط فيأخذونهم، قال: لا تفعل، ولكن عظهم وتهددهم، قال: ففعل فلم ينتهوا، قال: فجاءه جديل فقال: إني نهيتهم فلم ينتهوا، وإني داع لهم الشرط فتأخذهم، فقال له عقبة: ويحك لا تفعل، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(من ستر عورة مؤمن فكأنما استحيا موءودة من قبرها).
وروى أبو داود عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الأمير إذا ابتغى ريبة في الناس أفسدهم).