أي: نُصِبْ من نوركم، يقال: اقتبس، إذا: أخذ قبساً وهو الشعلة، وقوله:((انظرونا))، بمعنى: انظروا إلينا على الحذف والإيصال؛ لأنكم إذا نظرتم إلينا سوف نتمكن من أن نقتبس من نوركم ونصيب منه، والنظر بمعنى الرؤية يتعدى بإلى، فإن أريد التأمل تعدى بفي، وقولهم ذلك إنما هو حينما يساق المؤمنون إلى الجنة زمراً، والمنافقون في العرصات شاخصون إليهم، أو حينما يشرفون من الغرف على المنافقين وهم في ضوضائهم وجلبتهم في جهنم والعياذ بالله، كما قال تعالى:{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ}[الأعراف:٥٠]، فإما أن يحصل هذا عند نهاية الموقف وحينما يساق المؤمنون زمراً:{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا}[الزمر:٧٣]، فحينئذ يقول المنافقون والمنافقات:((انظرونا نقتبس من نوركم)) أي: انظروا إلينا لعلنا نقتبس شعلة من نوركم، أو أنهم يقولون ذلك حينما يراهم المؤمنون ويطلعون عليهم من غرف الجنة، فإن هذا من تمام نعيم أهل الجنة؛ لأنهم عانوا في الدنيا، وكان هؤلاء الناس يؤذونهم ويفتنونهم عن دينهم، وكانوا يغيظونهم ويسخرون منهم، فالجزاء أن الله سبحانه وتعالى يجعل العاقبة للمتقين ومن تمام نعيمهم في الجنة أنهم يتمكنون من رؤية أصحاب جهنم والعياذ بالله.
وإذا استطاع الإنسان أن ينقل الصور عن طريق الأجهزة السمعية والبصرية والتلفزيون في الدنيا، أفلا يتمكن الخالق العظيم سبحانه وتعالى من هذا؟ إن الله على كل شيء قدير، فهم في الجنة ينظرون إلى أهل النار بل ويخاطبونهم، {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ}[الأعراف:٥٠].
تفسير آخر لقوله تعالى:((انظرونا نقتبس من نوركم)): ((انظرونا))، بمعنى: انتظرونا، وهو الذي عول عليه ابن جرير، والمراد حينئذ من الانتظار للاقتباس هو رجاء شفاعتهم لهم أو دخولهم الجنة معهم طمعاً في غير مطمع، يقولون لهم ذلك حينما يسرع بهم إلى الجنة، فهؤلاء يقولون: انظرونا نقتبس من نوركم؛ لأن المنافقين يحاولون بكل وسيلة في الآخرة للنجاة، لكنهم يطمعون فيما لا مطمع فيه وفيما لا رجاء فيه، ولذلك يجتهدون حيلهم في التخلص مما هم فيه حتى بالقسم الكاذب، كما في سورة الأنعام:{ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}[الأنعام:٢٣]، فهم يقولون: إذا كان الحلف الكاذب قد ينجينا فلماذا لا نحاول؟ {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}[الأنعام:٢٣]، وهذا فيه اتهام للملائكة بأنها كتبت عليهم أشياء ما عملوها وافتروا عليهم، فلذلك يستنطق الله سبحانه وتعالى جوارحهم ويجعل أنفسهم شهداء عليهم، كما جاء في الأحاديث والقرآن الكريم.
إذاً: فهناك معنى آخر لقوله: (انظرونا) بمعنى انتظرونا نقتبس من نوركم.