قال تبارك وتعالى:{فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا}[الذاريات:٢] أي: يقسم الله سبحانه وتعالى أيضاً بالسحب الحاملة للأمطار المنبتة للزروع والأشجار لإفادة الحبوب والثمار، كما قال زيد بن عمرو بن نفيل: وأسلمت نفسي لمن أسلمت له المزن تحمل عذباً زلالا قوله: (له المزن) أي: السحاب.
(تحمل عذباً زلالا) أي: السحب تحمل هذه الأمطار.
أو ((الحاملات وقراً)) الرياح؛ لأن الرياح حاملات للسحاب، والوقر كالحمل وزناً ومعنى، وقرئ بفتح الواو (وَقراً) على أنه مصدر سمي به المحمول.
يقول الشنقيطي رحمه الله تعالى:((فالحاملات وقراً)) أكثر أهل العلم على أن المراد بالحاملات وقراً السحاب، أي المزن تحمل وقراً ثقيلاً من الماء، ويدل لهذا القول تصريح الله عز وجل بوصف السحاب بالثقال يقول الله سبحانه وتعالى:{وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ}[الرعد:١٢] أي: الموقرة المثقلة بالماء الذي تحمله، فالثقال: جمع سحابة ثقيلة، وقال تعالى:{حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ}[الأعراف:٥٧].
وقال بعضهم: إن المراد بالحاملات وقراً السفن تحمل الأثقال من الناس وأمتعتهم، ولو قال قائل: إن الحاملات وقراً الرياح أيضاً لكان وجهه ظاهراً؛ لأن الرياح تحمل هذه السحب الثقيلة، ودلالة بعض الآيات عليه واضحة؛ لأن الله سبحانه وتعالى صرح بأن الرياح تحمل السحاب الثقال بالماء، وإذا كانت الرياح هي التي تحمل السحاب إلى حيث شاء الله، فنسبة حمل ذلك الوقر إليها أظهر من نسبته إلى السحاب التي هي محمولة للرياح، وذلك بقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا}[الأعراف:٥٧] يعني: الرياح أقلت سحاباً ثقالاً.
فالإقلال هو الحمل وهو مسند إلى الريح، ودلالة هذا على أن الحاملات وقراً هي الرياح ظاهرة كما ترى، ويصح شمول الآية لجميع ما ذكرنا، أي: أن تشمل الآية السحاب نفسه، وتشمل الرياح التي تحمل هذا السحاب، على أساس أن هذا لفظ مشترك، ولا بأس من حمل المشترك على جميع معانيه.
أما قول بعضهم: بأن الذاريات ذرواً هي النساء؛ لأنهن يذرين الأولاد، وأن الحاملات وقراً أي: حوامل الأجنة من الإناث فهذا قول ظاهر السقوط.