[ذكر بعض الأحاديث الواردة في فضل سورة البينة]
هذه السورة ترتيبها في المصحف: الخامسة والتسعون.
وتسمى بسورة البينة، وسورة لم يكن، وسورة القيمة، وسورة المنفكين، وسورة البريّة.
وعدد آياتها ثمان، وهي مدنية على الأصح.
روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ أبي بن كعب رضي الله عنه: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) قال: وسماني لك؟ قال: نعم.
فبكى رضي الله عنه) وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية للإمام أحمد عن أبي حبة البدري قال: (لما نزلت: ((لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا)) [البينة:١] قال جبريل: يا رسول الله! إن ربك يأمرك أن تقرئها أبياً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي: إن جبريل أمرني أن أقرئك هذه السورة، قال أبي: وقد ذُكرت ثَم يا رسول الله؟! قال: نعم، قال: فبكى أبي رضي الله تعالى عنه).
وهذا الحديث فيه فضيلة عظيمة لـ أبي رضي الله تعالى عنه، إذ أمر الله رسوله أن يقرأ عليه هذه السورة، وهذا يشير إلى أنه أقرأ الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
واختصاص هذه السورة بالذكر يقتضي اختصاصها وامتيازها بأمور معينة؛ وذلك أن هذه السورة على وجازتها وقصرها اشتملت على أمهات أمور العقيدة والدين من التوحيد والرسالة والإخلاص والصحف والكتب المنزلة على الأنبياء وذكر الصلاة والزكاة والمعاد وبيان أهل الجنة وأهل النار، فكل هذه المعاني الأمهات موجودة في هذه السورة الوجيزة الجامعة.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: قرأها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة إبلاغ وتثبيت وإنذار لا قراءة تعلم واستذكار.
وذلك بأن يقرأ شخص على آخر إما لأجل التعلم منه، أو الاستذكار، أو العرض عليه، كما يقرأ مثلاً متعلم القرآن على شيخه، فهذه قراءة تعلم، أو يقرأ على صاحبه للاستذكار والمراجعة.
وقال ابن العربي رحمه الله: وفيه -أي: في هذا الحديث- من الفقه: قراءة العالم على المتعلم؛ لأن الأصل أن المتعلم هو الذي يقرأ على العالم، لكن يجوز أن يقرأ العالم على المتعلم.
وقال بعض العلماء: إنما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على أبي ليعلم الناس التواضع؛ لئلا يأنف أحد من التعلم والقراءة على من دونه في المنزلة.