تفسير قوله تعالى: (ففروا إلى الله ولا تجعلوا مع الله إلهاً آخر إني لكم منه نذير مبين)
قال تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:٥٠ - ٥١].
قوله: ((فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)) يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية الكريمة: حقيقة الفرار الهرب من شيء إلى شيء، وهو نوعان: فرار السعداء، وفرار الأشقياء، ففرار السعداء: الفرار إلى الله عز وجل، وفرار الأشقياء: الفرار منه لا إليه، وأما الفرار منه إليه فهو الفرار إلى الله عز وجل بالتوبة والإنابة والإقبال والمسارعة في طاعته وهذا فرار السعداء، وأما الفرار منه لا إليه فهو بعمل المعاصي والإسراف فيها وهذا فرار الأشقياء.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ)) أي: فروا منه إليه واعملوا بطاعته.
وكما قال عليه الصلاة والسلام: (وأعوذ بك منك) وقال عز وجل: {وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} [التوبة:١١٨] فهذا فرار الخلص والأولياء.
وقال سهل بن عبد الله: فروا مما سوى الله إلى الله.
وقال آخرون: اهربوا من عذاب الله إلى ثوابه بالإيمان والطاعة.
يقول القاسمي: ((فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ)) أي: فروا من عقابه إلى رحمته بالإيمان به واتباع أمره والعمل بطاعته.
قال الشهاب: الأمر بالفرار من العقاب المراد به الأمر بالإيمان والطاعة، كأنه فر لمأمنه.
((إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)) أي: أنذركم وأخوفكم عذابه الذي أحله بهؤلاء الأمم الذين قص عليكم قصصهم والذي هو مذيقهم العذاب في الآخرة.
((وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)) أي: قد أبان النذارة.
قال أبو السعود: فيه تأكيد لما قبله من الأمر بالفرار من العقاب إليه تعالى، لكن لا بطريق التكليف كما قيل، بل بالنهي عن سببه وإيجاب الفرار منه.
قوله: ((فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ)) أي: بالإيمان وعدم الشرك، وقوله: ((وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ)) فإن هذا هو مفتاح النجاة.