مثال افتراء الكذب على الله سبحانه وتعالى: قول المشركين للملائكة إنهم بنات الله، أو قولهم في الأصنام إنهم شفعاء عند الله.
ومعنى قوله:((ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً)) أي: لا أحد أظلم ممن يكذب على الله سبحانه وتعالى.
((أولئك يعرضون على ربهم)) أي: يساقون إليه سوق العبيد المفترين على ملوكهم في ذل وفي هوان.
((ويقول الأشهاد)): أي: الذين يشهدون بالحق يوم القيامة من الملائكة والنبيين والجوارح: ((هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين)) هذا تهويل عظيم مما يحيط بهم حينئذ؛ لظلمهم بالكذب على الله.
قيل: ولا يبعد أن تكون الآيات للدلالة على أن القرآن ليس بمفترى، فإن من يعلم حال من يفتري على الله كيف يرتكبه؟! يعني: إذا كان الرسول نفسه عليه الصلاة والسلام هو الذي يتلو عليهم هذه الآية الكريمة: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}[هود:١٨]: فلا يعقل إذاً أن يفتري هو على الله الكذب، ويدعي أن القرآن من عند الله وهو ليس من عند الله.
وقد أدرك هرقل هذه الدلالة، فلما سأل أبا سفيان كي يمتحن صدق النبي عليه الصلاة والسلام -والقصة في كتاب بدء الوحي في صحيح البخاري - قال له:(هل يكذب؟ فقال: لا يكذب فقال هرقل: فما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله)، هل يعقل أنه لا يكذب على الناس ثم يكذب على الله سبحانه وتعالى؟! ومما يستدل به على صدق نبوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: اشتهار دينه وانتشاره في آفاق الأرض، ورفع ذكره بهذه الصورة التي لم تقع لأحد من البشر سواه عليه الصلاة والسلام في كل أقطار الدنيا، وفي كل الأزمان من بعد بعثته، بل ومن قبل بعثته عليه الصلاة والسلام.
فالله سبحانه وتعالى ما كان أبداً ليرفع شأن كاذب يكذب عليه بهذه الطريقة؛ لأن هذا فيه تلبيس للحق على الناس، فهذه من علامات صدق نبوته صلى الله عليه وآله وسلم.