((يَتَبَوَّأُ مِنْهَا)) أي: ينزل من بلادها ((حَيْثُ يَشَاءُ)) وذلك أنه عليه السلام لما ولاه الملك النظر على خزائن مصر تجول في قطرها، وطاف في قراها والأمر أمره والإشارة إشارته، عناية منه تعالى ورحمة، كما قال:((نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)) أي: الذين أحسنوا عملاً.
كل هذا برحمة الله جزاء على الإحسان الذي رعاه يوسف عليه السلام؛ لأن يوسف عليه السلام عبد الله كأنه يراه، وكما ذكرنا من قبل أن الإحسان هو الغاية من خلق البشر، كما قال تعالى:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}[الملك:٢] قال: أحسن ولم يقل أكثر، فإذا أردنا معنى الإحسان نرجع إلى حديث جبريل:(أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) فهذا هو الذي فعله يوسف عليه السلام: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ}[الرحمن:٦٠].
فهذه قاعدة: لا يمكن أن يحسن الإنسان العمل ويملك نفسه ابتغاء وجه الله عز وجل، ثم بعد ذلك يضيعه الله عز وجل أو يهدر عمله ويضيع ثوابه.