والحجرات بضمتين أو بفتح الجيم أو سكونها -قرئ بهن جميعاً- جمع حجرة، وهي الرقعة من الأرض المحجورة بحائط يحوط عليها، كفعلة بمعنى: مفعولة كالغرفة والقبة والظلمة، فأصل كلمة الحجرة من الحجر والحجر المنع، وكل ما منعت أن يوصل إليه فقد حجرت عليه.
قال الزمخشري: المراد حجرات نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان لكل واحدة منهن حجرة.
ومناداتهم من ورائها يحتمل أنهم قد تفرقوا على الحجرات متطلبين له، فناداه بعض من وراء هذه، وبعض من وراء تلك، أو أنهم قد أتوها حجرة حجرة فنادوه من ورائها، أو أنهم نادوه من وراء الحجرة التي كان فيها، ولكنها جمعت إجلالاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والفعل وإن كان مسنداًً إلى جميعهم فإنه يجوز أن يتولاه بعضهم وكان الباقون راضين، فكأنهم تولوه جميعاً.
قال الزمخشري: ورود الآية على النمط الذي وردت عليه، فيه ما لا يخفى على الناظر من بينات إكبار محل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلاله؛ منها: مجيئها على النظم المسجل على الصائحين به بالسفه والجهل؛ لما أقدموا عليه ((أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)).
ومنها: لفظ الحجرات وإيقاعها كناية عن موضع خلوته ومقيله مع بعض نسائه.
ومنها: المرور على نظمها بالاقتصار على القدر الذي تبين به ما استنكر عليهم.
ومنها: التعريف باللام دون الإضافة.
فلم يقل: بحجرات رسول الله، وإنما قال:(إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ).