أما الإطعام فليس فيه تحديد بقدر، حيث قال تعالى:((فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ)) فلم يحدده بقدر معين لا بوجبة ولا بوجبتين، ولا بقدر معين من الكيل، وإنما حدده بضابط، وهو قوله:(من أوسط ما تطعمون أهليكم) فما ذكر وجبة ولا وجبتين، ولا ذكر مقداراً معيناً من الكيل، لذلك روي عن الصحابة والتابعين وجوهاً في المقصود من هذا القدر، جميعها مما يصدق عليه مسماه، فبأيها أخذ أجزأه.
فمثلاً: قال علي رضي الله عنه: يأتي بعشرة مساكين فيغديهم ويعشيهم.
وكأنه ذهب إلى أن المراد الإطعام الكامل، أي: إطعام عشرة مساكين إطعاماً كاملاً، وهو قوت اليوم كله، وهو وجبتان، وإلا فالإطعام يصدق على الوجبة الواحدة، ولذلك قال الحسن ومحمد بن الحنفية: يكفيه إطعامهم أكلة واحدة خبزاً ولحماً.
زاد الحسن: فإن لم يجد فخبزاً وسمناً ولبناً، فإن لم يجد فخبزاً وزيتاً وخلاً حتى يشبعوا.
وعن عمر وعلي وعائشة وثلة من التابعين: يطعم كل واحد من العشرة نصف صاع من بر أو تمر أو نحوهما.
ونصف الصاع هو ملء الكف مرتين، أي: مدين.
وعن ابن عباس:(لكل مسكين مد من بر ومعه إدامه) يعني الطعام الذي يؤكل مع الخبز.
وفي فتح القدير من كتب الحنفية: يجوز أن يغديهم ويعشيهم بخبز، إلا أنه إن كان براً لا يشترط فيه الإدام، وإن كان غيره فبإدام.
وحكي عن الهادي: اشتراط الأكل لإشعار لفظ الإطعام بذلك.
وقوله:(إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) يعني أن تعد لهم الطعام وتتركهم يأكلون.
وأكثر العلماء قالوا: إن الأكل غير مشروط؛ لأنه ينطلق لفظ الإطعام على التمليك، فمجرد أن تملكه الطعام حتى ولو لم يأكله أمامك يجزئك؛ لأن الإطعام يطلق على التمليك.