[تمتيع الكافر في الدنيا]
وما دلت عليه هذه الآيات من أنه تعالى يعطي الكفار من متاع الحياة الدنيا دلت عليه آيات كثيرة من كتاب الله تبارك وتعالى، كقوله تعالى: {قَاْلَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ} [البقرة:١٢٦]، وقال تعالى: {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ} [لقمان:٢٤]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [يونس:٢٣]، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} [يونس:٦٩ - ٧٠].
وقد بين تبارك وتعالى في آيات من كتابه أن إنعامه على الكافرين ليس لكرامتهم عليه، ولكنه للاستدراج، كقوله تعالى: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [القلم:٤٤ - ٤٥]، وقال تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:٤٤ - ٤٥].
وصح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر،)، فالدنيا جنة الكافر؛ لأن من ضمن حكمة الله سبحانه وتعالى في التوسعة على الكافر في الدنيا أنه يكافئه مقابل ما يعمل من الأعمال الحسنة، كبر الوالدين، وصدق الوعد، والإحسان إلى الفقير واليتيم والمسكين، وغير ذلك مما يسمونه بالأشياء الإنسانية، فإذا عملها وهو يريد بذلك التقرب إلى الله سبحانه وتعالى فقد يجازى بها في الدنيا؛ لأنها لا تنفعه على الإطلاق في الآخرة؛ لأنه لا يسمى عملاً صالحاً؛ لأنه يفتقد شرط الإيمان، كما قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [النحل:٩٧]، فلابد أن يكون مؤمناً، فالذي بدون الإيمان قد ينفعه في الدنيا فقط، لكن لا يمكن أن ينفعه في الآخرة، ونقول: (قد) لأنه لا ينال ذلك إلا بمشيئة الله، كما قال تعالى في سورة الإسراء: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء:١٨]، فالمنفعة معلقة بمشيئة الله سبحانه وتعالى، فيعطى الكافر في الدنيا مقابل الأعمال الحسنة التي يعملها؛ لأن هذه هي الجنة والفرصة الوحيدة لأن يثاب على هذا العمل، أما في الآخرة فلا يمكن أن ينتفع ويثاب على عمله.
ثم قال تعالى أيضاً: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [الأعراف:٩٥].
وقال تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [مريم:٧٥] على أظهر التفسيرين.
وقال تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران:١٧٨].
وقال تعالى: {فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [الحج:٤٤].
ودعوى الكفار أن الله ما أعطاهم المال ونعيم الدنيا إلا لكرامتهم عليه، واستحقاقهم لذلك، وأنه إن كان البعث حقاً أعطاهم خيراً منه في الآخرة، ردها الله عليهم في آيات كثيرة، كقوله تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ} [المؤمنون:٥٥] * {نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون:٥٦].
وقال تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [سبأ:٣٧].
وقال تعالى: {قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأعراف:٤٨].
وقال تعالى: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد:٢].
وقال تعالى: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [الليل:١١].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام:٩٤].