فلذلك قصر الله سبحانه وتعالى بين الرجال والنساء فقال:((لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ))، أي: لا يهزأ رجال من رجال، ((عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ)).
فإن مناط الخيرية في الفريقين ليس ما يظهر للناس من الصور والأشكال، ولا الأوضاع والأطوار التي يدور أمر السخرية عليها غالباً، فأمر السخرية غالباً لا يدور على أمور ظاهرة، وإنما يدور على شكل الإنسان أو على ملابسه أو على هيئته أو على طريقته في الكلام أو على وظيفته وعمله أو غير ذلك، هذا غالباً يكون مناط السخرية في الأمور الظاهرة، وبالذات أمور الدنيا.
بين الله سبحانه وتعالى أن مناط الخيرية ليس في الأمور والأشكال الظاهرة التي تدور حولها السخرية غالباً، بل مناط الخيرية إنما هو للأمور الكائنة في القلوب:((عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ))، يعني: في القلوب وفي الباطن عند الله.
فالذي ينظر إليه الله القلوب والأعمال وليس الصور والأشكال، فالمناط إنما هو الأمور الكامنة في القلوب، فلا يجترئ أحد على استحقار أحد، فلعله أجمع منه لما نيط به من الخيرية عند الله سبحانه وتعالى، فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله سبحانه وتعالى، ويستهين بمن عظمه الله عز وجل.
ومن أهل التأويل من خص السخرية بما يقع من الغني للفقير، وآخرون خصوا السخرية بما يحصل على أحد زلة أو هفوة فيسخر به من أجلها.
قال إمام المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى: والصواب أن يقال: إن الله عم بنهيه المؤمنين من أن يسخر بعضهم من بعض في جميع معاني السخرية، فلا يحل لمؤمن أن يسخر من مؤمن، لا لفقره ولا لذنب ركبه ولا لغير ذلك.