قال المتكلمون: دلت الآية على جواز رؤيته تعالى من وجهين: الوجه الأول: أن سؤال موسى عليه السلام الرؤية يدل على إمكانها؛ لأن العاقل فضلاً عن النبي لا يطلب المحال، ولا مجال إلى القول بجهل موسى عليه السلام بالاستحالة؛ فإن الجاهل بما لا يجوز على الله لا يصلح للنبوة، يعني: أن موسى عليه السلام كان يعلم أن رؤية الله ممكنة وليست مستحيلة، لكنه كان لا يعلم أن هذه الرؤية لا تكون في الدنيا إنما تكون في الآخرة.
الوجه الثاني: أنه تعالى علق الرؤية على استقرار الجبل، وهو أمر ممكن في نفسه.
أي وإذا علق الشيء على أمر ممكن فهذا يدل على أنه ممكن، وإذا علق على أمر مستحيل فهذا يدل على أنه مستحيل، وأقرب مثل لذلك هو: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}[الأعراف:٤٠]، فعلق دخولهم الجنة على دخول الجمل في سم الخياط، سواء قلنا: إن المقصود هنا بالجمل: الحبل الضخم الذي يستعمل في السفن، أو الحيوان المعروف، فهو مستحيل، ومثله قولك: لن أفعل كذا حتى يبيض القار، مع أن القار لا يبيض! وكذلك: حتى يشيب الغراب، والغراب لا يشيب.
أما إذا علق على أمر ممكن فيدل على أنه ممكن، فعندما يقول مثلاً: سوف آتيك إذا طلعت الشمس، فهذا معناه: أنه يمكن أن يأتيك.
فالله سبحانه وتعالى علق الرؤية هنا على استقرار الجبل، واستقرار الجبل أمر ممكن في نفسه، والمعلق على الممكن ممكن؛ لأن معنى التعليق الإخبار بوقوع المعلق عند وقوع المعلق به، والمحال لا يثبت على شيء من التقادير الممكنة.